من ادعى الألوهية في محمد بن الحنفية
لما استشهد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء اختلف فيه أناس فمنهم من قال لم يقتل بل إنه رفع إلى السماء وقد شبه به ، وإنما وقع شبهه على حنظلة بن سعد الشامي وأن الحسين قد أشبه عيسى ابن مريم في أمره حيث رفعا إلى السماء ويحتجون بالآية : ( وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) (1).
ومنهم شكّك في إمامة الحسين عليه السلام ذلك أنه لما خرج بأهل بيته ونفر من أصحابه للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقالوا إنه عرّض نفسه للهلكة وهل يصح ذلك منه فإذا صح فلماذا لم يخرج الحسن من قبله مع وجود الأعوان والأنصار والإمرة لم تخرج من يده ؟ ...
فهؤلاء شكّكوا في إمامة الحسين عليه السلام كما أنهم شكّكوا في إمامة الحسن من قبل.
وفريق ثالث كان يقول بإمامة الحسن وكذلك بإمامة الحسين ولما استشهد الحسين عليه السلام قال بإمامة محمد بن الحنفية وقالوا إنه أوصى إليه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من قبل وأنه وقى بنفسه إخوانه وأبيه في حرب النهروان والجمل وصفين .. إلى غير ذلك من الإفتراءات والإدعاءات ...
ولما تُوفّي محمد بن الحنفيّة صار الذين قالوا بإمامته إلى ثلاث فرق ، قال النوبختي أحدها قالت : إن محمد بن الحنفية هو المهدي سماه علي عليه السلام مهدياً لم يمت ولا يجوز ذلك ولكنه غاب ولا يدري أين هو سيرجع ويملك الأرض ولا إمام بعد غيبته إلى رجوعه وهؤلاء هم أصحاب ( ابن كرب ) وكان حمزة بن عمارة البربري منهم ، وكان من أهل المدينة ففارقهم وادّعى أنه نبي وأن محمد بن الحنفية هو الله عزّ وجّل تعالى عن ذلك علواً كبيراً وأن حمزة هو الإمام وأنه ينزل عليه سبعة أسباب من السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها فتبعه على ذلك ناس من أهل المدينة وأهل الكوفة فلعنه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام وبرئ منه وكذّبه وبرأت منه الشيعة فاتبعه على رأيه رجلان من نهد لأحدهما صائد وللآخر بيان.
فكان بيان تبّاناً يتبن التبن بالكوفة ثم ادعى أن محمد بن علي بن الحسين أوصى إليه ، وأخذه خالد بن عبد الله القسري هو وخمسة عشر رجلاً من أصحابه فشدّهم بإطناب القصب ، وصبّ عليهم النفط في مسجد الكوفة وألهب فيهم النار ، فأفلت منهم رجل فخرج بنفسه ثم التفت فرأى أصحابه تأخذهم النار فكرّ راجعاً إلى أن ألقى نفسه في النار فاحترق معهم.
وكان حمزة بن عمار نكح ابنته وأحلّ جميع المحارم وقال : من عرف الإمام فليصنع ما شاء فلا إثم عليه (4) ...
وفرقة من البيانيّة زعمت أن الإمام القائم المهدي أبو هشام بن محمد ابن الحنفية ، ثم غلو فيه لما توفّي وادّعى بيان النبوّة وتأوّل أصحابه قول الله تعالى ( هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ ) ثم كتب بيان إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام يدعوا إلى نفسه والإقرار بنبوّته ويقول له : ( اسلم تسلم وترتق في سلم وتنج وتغنم فإنك لا تدري أين يجعل الله النبوة والرسالة وما على الرسول إلا البلاغ ، وقد أعذر من أنذر ) (5).
الهوامش
1 ، 2. أصول الكافي 1 / 89.
3. سورة النساء ، الآية : 141.
4. فرق الشيعة / 44.
5. المقالات والفرق / 37.
شبهة الغلو عند الشيعة / الصفحة : 71 ـ 72

