أدلّة الشيعة الإماميّة على السجود على التربة الحسينيّة

البريد الإلكتروني طباعة

أدلّة الشيعة الإمامية

الدليل الأول ـ الإحتياط طريق النجاة

الدليل الثاني ـ فضل التربة الحسينية

الدليل الثالث ـ الإقتداء بأهل البيت ( عليهم السلام )

 

الدليل الأول

الإحتياط طريق النجاة

الأول ـ إتخاذ تربة طاهرة للسجود

الثاني ـ قاعدة الإعتبار والتفاضل

 

الدليل الأول ـ الإحتياط طريق النجاة :

س / ما هو الإحتياط الذي تزعمه الشيعة الإمامية ؟

ج / هو الإحتراز والتحفظ من وقوع النفس في المأثم. وبيان ذلك :

إنّ الغاية من إتخاذ تربة الحسين عليه السلام مسجداً في كل صلاة ، تعتمد على أصلين كالتالي :

الأول ـ إتخاذ تربة طاهرة للسجود :

إنّ المتفق عليه بين المسلمين تفضيل السجود على الأرض دون غيرها ، كما إشترطوا في مكان السجود الطهارة ، ونهوا عن الصلاة في مواطن منها : المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ، ومعاطن الإبل. كما ورد الأمر بتطهير المسجاد ، كل ذلك إهتماماً بأمر الصلاة.

ولذا ينبغي للمسلم أنْ يحتاط ويهتم بشأن الصلاة ، ويتخذ له تربة طاهرة يطمئن بها للسجود عليها في صلاته ، حذراً من السجود على النجاسة والقذارة التي لا يُتقرب بها إلى الله ، والمسلم لا يحصل له كل ذلك في حِلِّهِ وترحاله ؛ إذ الثقة بطهارة كل أرض لا تحصل له ، حيث يحل فيها المسلم وغيره من فئات الناس الذين لا يكترثون لأمر الطهارة والنجاسة في الدين ، فالشيعة يصطحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها ، إهتماماً بشأن الصلاة ومحافظة على آدابها ، وبهذا الإحتياط عمل رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الأولى ؛ فمن الذين ساروا على هذا النهج ، التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع (1) ، كما أخرجه الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة بالطريقين التاليين :

1 ـ عن ابن سيرين قال : « نُبئْتُ أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها ».

2 ـ يزيد بن هارون قال : « أخبرنا ابن عون ، عن محمد : أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لُبْنَةً يسجد عليها » (2).

الثاني ـ قاعدة الإعتبار والتفاضل :

قاعدة الإعتبار المُطّرَدْ تقتضي التفاضل بين الأشياء ، وتستدعي إختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها ، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه مُطّرَد بين الأمم طُراً ، بل نَصّ القرآن الكريم على ذلك في كثير من الآيات ، منها قوله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) [ البقرة / 253 ]. وقوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) [ النساء / 34 ].

إذن ، هذا الإعتبار وقانون الإضافة لا يختص بالشرع فحسب ، ولا يختص بمفاضلة الأراضي ، وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة ، من الأنبياء والرسل وما شابه ذلك ، بل في كل ما يتصور فيه فضل على غيره. بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود وبه قوام كل شيء ، واليه تنتهي الرغبات في الأمور ، ومنه تتولد الصلات والمحبات والعلائق والروابط ، فبهذا الإعتبار المطرد العام المتسالم عليه لدا العقلاء والشرع الأقدس ، إتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً وتوجيه الخلق إليه ، وحجهم إياه من كل فج عميق ، وإيجاب تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى بنيته ، إن هي إلا آثار الإضافة وإختيار الله إياها من بين الأراضي.

وكذلك المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً ، وجعل المحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حَلّ فيها ، إنما هي لإعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى الله تعالى ، وكونها عاصمة عرش نبيه العظيم صلّى الله عليه وآله وسلّم صاحب الرسالة الخاتمة.

وبهذا الإعتبار وقانون الإضافة ، جعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يبكي على ولده الحسين عليه السلام ويقيم تلك المآتم قبل شهادته ، ويأخذ تربة كربلاء ويشمها (3) ، ويقبلها (4) ، ويقلبها (5) ، كما ورد في الأخبار. وهو الذي جعل الشيعة الإمامية تهتم بتربة الحسين عليه‌السلام ، تلك التربة الطاهرة التي شرّفها الله وقدّسها ؛ لما تحويه من أجساد طاهرة من أبناء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، سُفكت دماؤها لأجل الدين وفي سبيل إحيائه. تلك التربة التي اعتنى بها الكُتاب وتفننوا في وصفها وقداستها.

وعَبّر عنها الأديب الكبير عباس العقاد بقوله : « ولكنها لو أُعطيت حقها من التنويه والتخليد ؛ لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة ، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل ، أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء ، بعد مصرع الحسين فيها.

فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الإنسان إنسان وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السائم ... فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين رضي الله عنه في تلك البقعة الجرداء. وليس في نوع الإنسان صفات علويات أنبل ولا ألزم من الإيمان والفداء والإيثار ويقظة الضمير ، وتعظيم الحق ورعاية الواجب والجلد في المحنة والأنفة من الضيم والشجاعة في وجه الموت المحتوم ... وحسبك من تقويم الأخلاق في تلك النفوس ، أنه ما من أحد قتل في كربلاء إلا كان في وسعه أن يتجنب القتل بكلمة أو بخطوة ، ولكنهم جميعاً آثروا الموت عطاشا جياعا مناضلين على أن يقولوا تلك الكلمة أو يخطوا تلك الخطوة ؛ لأنهم آثروا جمال الأخلاق على متاع الدنيا ... أو حسبك من تقويم الأخلاق في نفس قائدها وقدوتها ، أنهم رأوه بينهم فاقتدوه بأنفسهم ، ولن يبتعث المرء روح الاستشهاد فيمن يلازمه إلا أن يكون هو أهلاً للإستشهاد في سبيله وسبيل دعوته ، وان يكون في سليقة الشهيد الذي يأتم به الشهداء » (6).

وبعد هذا البيان إتضح لنا سِرُّ فضيلة تربة كربلاء ، ومبلغ إنتسابها إلى الله سبحانه وتعالى ، ومدى حرمة صاحبها دُنُوّاً وإقتراباً من العلي الأعلى . نعم أفعاله وأقواله ـ كما نقلها التاريخ لنا ـ تثبت مدى تعلقه وتفانيه بخالقه العظيم. حتى بذلك نفسه وأهله وكل غالٍ ونفيس لأجل إعلاء كلمة الله وإحياء دينه ، وقد نسب إليه الآتي :

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

 

وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحُب إرباً

 

لما مال الفؤاد إلى سواكا (7)

أليس من الأفضل التقرب إلى الله بالخضوع والخشوع والعبودية بالسجود على تربة تفجرت في صفيحها عيون دماءٍ اصطبغت بحب الله وولائه المحض الخالص ؟!. أليس من الأليق بأسرار السجود على الأرض ، السجود على تربة ظهر فيها سِرُّ المتعة والعظمة والكبرياء والجلال لله عَزّ وجَلّ ، ورمز العبودية والتصاغر أمام عظمة الجبار سبحانه تعالى بأجلى مظاهرها وسماتها ؟!.

وبناءً على هذين الأصلين ، تتخذ الشيعة الإمامية من تربة كربلاء قطعاً وأقراصاً تسجد عليها في الصلوات (8). لأنهم يشترطون في المسجد أن يكون أرضاً أو ما أنبتت ، ويشترطون في المسجد طهارته وإباحته ، وأن لا يكون من المأكول والملبوس ، فالشيعة يصحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها لله ، اهتماماً بشأن الصلاة ومخالفة على آدابها ، فشأن هذه الألواح شأن الخُمُر والحَصْبَاء في بداية المسلمين. كما أنها أفضل أفراد الواجب ، واختياراً لما هو الأفضل والأولى بالسجود لدا العقل والمنطق والإعتبار.

وعلى هذا النهج القويم ؛ كان التابعي علي بن عبد الله بن عباس (9) كما عن ابن عينة قال : « سمعت رُزَين مولى ابن عباس رضي الله عنه يقول : كتب إليّ علي بن عبد الله بن عباس أن إبعث إلي بلوح من حجارة المروة أسجد عليه » (10). فأي مانع من أن يحتاط المسلم في أمور دينه بما فيها صلاته ؟!. وأي مانع من أن يختار الأفضل في عمله ؟ فالشيعة الإمامية إختارت التربة الحسينية ؛ لأنها الأفضل ، عملاً بالأحاديث الكثيرة الواردة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته.

 

الدليل الثاني

فضل التربة الحسينية

أولاً ـ عرض الروايات

ثانياً ـ نظرة حول الروايات

ثالثا ـ سر السجود على التربة الحسين (ع)

 

تمهيد :

عرفت أرض كربلاء بالقداسة والسمو والشرف منذ القدم ، وإلى هذا أشار سيد الشهداء عليه السلام بقوله : ( وخير لي مصرع أنا لاقيه ، فكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ) (11). والمراد بالنواويس : جمع ناوس في الأصل ، وهو قبر النصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلاء (12) أي أن كربلاء قد اتخذت معابد ومدافن للأمم السابقة ، وخير شاهد على ذلك ما يلي : « ونقل بعض الفضلاء قول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء القديم وهو : كل ما يمكن أن يقال عن تاريخها القديم ، أنها كانت أمهات مدن طسوج النهرين ، الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس ( الفرات القديم ) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة ، كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً كعمورا ، ماريا ، صفورا ، وقد كثرت حولها المقابر ، كما عثر على جثث موتى داخل أوانٍ خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي ... » (13). وقال الأب اللغوي أنستاس الكرملي : « والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين ؛ أن كربلاء منحوتة من كلمتين من ( كرب وإل ) أي حرم الله أو مقدس الله » (14).

وذكر السيد عبد الحسين آل طعمة ، نقلاً عن الذريعة للشيخ آغا بزرك : « ومعنى ( كاربالا ) بالفهلوية هو ( الفعل العلوي ). ويجوز تفسيرها ( بالعمل السماوي ) المفروض من الأعلى ، ثم عُرِّبت وصيغت صياغة عربية وسموها ( كربلاء ) ، وهذا يقارب المعنى الذي ذهب إليه الأب انستاس لكلمة ( كرب ) و ( إل ) بأنهم ( حرم الله ) أو ( مقدس الله ) » (15).

نعم أعطيت كربلاء هذه القداسة ـ في الإسلام والأمم السابقة ـ بالحسين عليه السلام ؛ إذ الأمم الغابرة لديها معرفة بشهادته عن طريق أنبيائها وكتبها المقدسة ، كما أشارت إلى ذلك بعض المصادر التالية :

« جاء في كتاب ارميا في باسوق من السيمان السادس والأربعون ( كي ذبح لدوناي الوهيم صواووت بأرض صافون إلى نهريرات ) ؛ يعني يذبح ويضحي لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطئ الفرات » (16).

وفي مصحف شيث إشارة إلى واقعة كربلاء : « ذكر أبو عمرو الزاهد ، في كتاب الياقوت : قال : قال عبدالله بن صفار ، صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة ، وسبينا سبياً ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ؛ فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه انهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يبعث النبي العربي بثلاث مائة سنة ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند ( كلام أولاد شيث ) هذا البيت من الشعر :

أترجو عصبة قتلت حسينا

 

شفاعة جده يوم الحساب » (17)

أولاً ـ عرض الروايات :

ليس أحاديث فضل تربة الحسين عليه السلام وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمة عليهم السلام ، بل إن أمثال هذه الروايات لها شهرة في كتب علماء الإسلام ، واليك قسماً منها كالتالي :

مرويات الإمامية :

يمكن تلخيص مرويات الإمامية في فضل تربة كربلاء من خلال الطرق التالية :

الأول ـ الرسول الأعظم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :

روى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( بينما الحسين بن علي عليهما السلام عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؛ إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد أتحبه ؟ فقال نعم. فقال : أما إن أمتك ستقتله. قال : فحزن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حزناً شديداً ، فقال له جبرئيل : يا رسول الله أتريد التربة التي يقتل فيها ؟ فقال : نعم ، فخسف ما بين مجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى كربلاء حتى إلتقت القطعتان هكذا ، ثم جمع بين السبابتين ، ثم تناول بجناحه من تربتها وناولها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثم رجعت أسرع من طرفة عين ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك ) (18).

الثاني ـ أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( مَرّ أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في أناس من أصحابه ؛ فاغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملتقى رحالهم ، وهنا تهرق دماؤهم ، طوبى لك من تربة ، عليك تهرق دماء الأحبة ) (19).

الثالث ـ الأئمة من بعده ( عليهم السلام ) :

1 ـ قال علي بن الحسين عليه السلام : ( إتخذ الله ارض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسترها ، رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ؛ فجعلت في أفضل روض من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنه إلا النبيون والمرسلون. أو قال : أولوا العزم من الرسل ، فإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الذري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشى نورها أبصار أهل الجنة جميعا ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ) (20).

2 ـ قال أبو جعفر ( الباقر ) عليه السلام : ( الغاضرية هي البقعة التي كَلّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي اكرم أراضي الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أوليائه وأبناء نبيه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية ) (21).

3 ـ صفوان الجمال قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( إن الله تبارك وتعالى فَضّل الأراضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ، ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله ، حتى سلّط الله المشركين على الكعبة ، وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه ، وإن كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى ؛ وبارك عليهما ، فقال لها : تكلمي بما فضلك الله تعالى ؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض الله المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ولا فخر على من دوني ، بل شكراً لله. فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها الله بالحسين عليه السلام وأصحابه. ثم قال أبوعبدالله عليه السلام : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله تعالى ) (22) ، وبهذا القدر من المرويات نكتفي.

مرويات السنة :

وردت روايات كثيرة في فضل تربة الحسين عليه السلام ، ذكرتها الصحاح والمسانيد المعتمدة لدى جمهور السنة والجماعة . ويمكن تصنيفها كالتالي :

أولاً ـ الإمام علي ( عليه السلام ) :

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : ( مَرّ علي ( رضي الله عنه ) بكربلاء عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ ؛ فوقف وسأل عن إسم هذه الأرض ؟ فقيل : كربلاء فبكى حتى بَلّ الأرض من دموعه ، ثم قال : دخلت على رسول الله وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : كان عندي جبرئيل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ، ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب شمني إياه ؛ فلم أملك عيني أن فاضتا ) (23).

ثانياً ـ نساء النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :

أ ـ أم سلمة :

عن أبي وايل ـ شقيق بن سلمة ـ عن أم سلمة قالت : ( كان الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يلعبان بين يدي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيتي فنزل جبرئيل عليه السلام ؛ فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ؛ فأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وضمّه إلى صدره. ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : وضعت عندك هذه التربة ، فشمّها رسول الله وقال : ريح كرب وبلاء ، قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل ، قالت : فجعلتها في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها وتقول : إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم ) (24).

ب ـ عائشة :

أخرج ابن سعد ، والطبراني عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : ( أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه ) (25).

ج ـ أم الفضل بنت الحرث :

أخرج أبو داود ، والحاكم ، عن أم الفضل بنت الحرث أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : ( أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ؛ يعني الحسين ، وأتاني بتربة من تربة حمراء ) (26).

د ـ زينب بنت جحش :

عن زينب قالت : ( بينما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيتي وحسين عندي ، حين درج ؛ فغفلت عنه ، فدخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : دعيه ـ إلى قولها ـ ثم قام فصلى ، فلما قام احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى ، ثم مد يده فقلت حين قضى الصلاة : يا رسول الله ، إني رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك تصنعه ؟ قال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن هذا تقتله أمتي ، فقلت : أرني تربته ؛ فأتاني بتربة حمراء ) (27).

ثالثاً ـ أصحاب النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :

1 ـ عبدالله بن عباس :

عن ابن عباس قال : ( كان الحسين في حجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال جبرئيل : أتحبه ؟ فقال : كيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟ فقال : إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة ؛ فإذا هي تربة حمراء ) (28).

2 ـ معاذ بن جبل :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن معاذ بن جبل أخبره وقال : خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم متغير اللون ، فقال : أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه فأطيعوني مادمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي ؛ فعليكم بكتاب الله عَزّ وجَلّ أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، أتتكم المؤتية بالروح والراحة ، كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكاً ، رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

إمسك يا معاذ وأخصّ ، قال : قلما بلغت خمسة قال : يزيد لا يبارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه ثم قال : نعي إلي الحسين ، وأوتيت بتربته واخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شِيَعاً ثم قال : واهاً لفراخ آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف ... ) (29).

3 ـ أنس بن مالك :

اخرج البغوي في معجمه من حديث أنس بن مالك ، أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : ( استأذن ملك القطر ربه أن يزورني ؛ فأذن له وكان في يوم أم سلمه فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا أم سلمه احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ؛ فبينما هي على الباب ؛ إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فجعل رسول الله يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم قال : إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به ، فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها ) (30).

هذه بعض روايات الأصحاب ونساء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم التي روتها صحاح ومسانيد السنة والجماعة ، وهناك روايات لم نذكرها ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه بمراجعتها في الكتب الخاصة بها (31).

ثانياً ـ نظرة حول الروايات :

بعد التأمل في الروايات المتقدمة بما فيها تعدد طرقها ؛ نخرج بالتالي :

1 ـ إهتمام السماء بهذه التربة الزكية ، من خلال إخبار جبرئيل وغيره من الملائكة بقتل الحسين عليه السلام وإتيانهم بتربته ، ولم يكن الإهتمام لأي تربة اخرى.

2 ـ إهتمام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بهذه التربة ؛ من شمها وإعطائها أم سلمة وديعة.

3 ـ إهتمام الأصحاب ورجال الحديث ـ من خلال تعدد طرقها وكثرة مصادرها ـ بتربة الحسين عليه السلام.

ـ وبعد كل ذلك ، بماذا نحلل إتيان جبريل وغيره من الملائكة ؟!

ـ وبماذا نحلل إهتمام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بهذه التربة الطاهرة الزكية ؟!

ـ هل على نحو العبث ، أم لفضيلة هذه التربة الطاهرة ؟!

التفاضل بين مكة والمدينة وكربلاء :

س / يفهم من تعلق الشيعة الإمامية بـ ( تربة الحسين عليه السلام ) ، أنها أفضل من تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه السلام إلى الآن أرض مقدسة. وأفضل من أرض المدينة المنورة التي تختص بجسد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، تكونان في المنزلة دون كربلاء ، هذا أمر غريب ؟! وهل الحسين عليه السلام أفضل من جده الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟

ج / يتضح الجواب بعد بيان التالي :

أولاً ـ إختلف العلماء في تفاضل مكة والمدينة وكربلاء حسب الوجوه التالية :

رأي السنة والجماعة :

1 ـ ذهب الشافعي ، وأهل مكة ، وأهل العلم أجمع ، إلى أن مكة أفضل (32).

2 ـ ذهب مالك وأهل المدينة إلى أن المدينة أفضل (33).

3 ـ قال القاضي عياض : إن موضع قبره صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضل بقاع الأرض ، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض (34). وحكاية الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض ، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي ( الناجي ) قبله كما قال الخطيب ابن جمله ، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم ، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة (35).

رأي الشيعة الإمامية :

1 ـ ذهب الشيخ الطوسي ، بل ادعى الإجماع على أفضلية مكة على غيرها (36).

2 ـ وأجمعوا على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض (37).

3 ـ وقال السيد علي خان : والأقرب أن موضع قبور الأئمة عليهم السلام كذلك ، أما البلدان التي فيها ؛ فمكة أفضل منها حتى المدينة (38).

4 ـ وقال الشهيد الثاني ( قده ) في الدروس : مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا قبر الرسول الله صلّى الله عليه وآله ، وروي في كربلاء على ساكنها السلام ، مرجحات (39).

5 ـ ذهب السيد بحر العلوم ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على مكة ، كما هو المستفاد من منظومته الدرة النجفية :

والأفضل الأرض ومنها فُضِّلا

 

تُرْبَةُ قُدْسٍ قُدِّسَت في كربلا (40)

ومن حديث كربلا والكعبة

 

لكربلا بان علو الرتبة (41)

وذهب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على غيرها ، حيث قال : « إذن ، أفليس من صميم الحق والحق الصميم ، أن تكون أطيب بقعة على وجه الأرض مرقداً وضريحاً لأكرم شخصية في الدهر » (42).

خلاصة واستنتاج :

أولاً ـ بعد عرض الأقوال نخرج بما يلي :

1 ـ الإتفاق بين المسلمين على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض . وزاد الإمامية أن المواضع التي تضم أعضاء المعصومين عليهم السلام من أهل بيته أيضاً ؛ لأنهم أفضل الخلق من بعده.

2 ـ الإتفاق بين المسلمين على أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض ، والإختلاف في التفاضل بينهما.

3 ـ بعض الإمامية يقول : بأن كربلاء أفضل من مكة والمدينة ، ماعدا قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبور أهل بيته عليهم السلام.

ثانياً ـ إن عظمة الحسين عليه السلام من عظمة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وشرف الحسين عليه السلام من شرفه ، وهو القائل في حقه : ( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) (43). وقد روى هذا الحديث كثير من محدثي الطوائف الإسلامية.

توجيه الأعلام لحديث ( حسين مني ) :

ولأرباب العلم في معناه وجوه :

أولاً ـ « أنه صلى الله عليه وآله وسلّم قصد إكمال الحب وتمام الإلفة بسبطه وريحانته الحسين ؛ فإن البلغاء من العرب إذا أرادوا أن يظهروا الإتحاد والإلفة وشدة الإتصال والمحبة بأحد منهم ، يقولون : فلان منا ونحن من فلان ، كما أنهم إذا أرادوا أن يظهروا النفرة وشدة القطيعة من رجل قالوا فيه : ( إننا لسنا منه وليس هو منا ) ، قال شاعرهم :

أيها السائل عنهم وعني

 

لست من قيس ولا قيس مني

وجاء في الحديث القدسي في الحاسد الحاقد : ( إنه ليس مني ولست أنا منه ) ؛ أي إن المحبة الشديدة ، والصلة الأكيدة ، والعلاقة التامة بيني وبين الحسين ، جعلته كجزء مني وجعلتني كجزء منه من شدة الإتصال وعدم الإنفكاك » (44).

ثانياً ـ « قد يكون إشارة إلى ما روي ؛ أن الحسين عليه السلام لما ولد كان يؤتى به إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فيرضعه من ريقه أو إبهامه ، حتى نبت لحمه من لحم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعظمه من عظمه ، ودمه من دمه ، فكأنهما نفس واحدة ، فبملاحظة ذلك صح أن يقول صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( وأنا من حسين ) » (45).

ثالثاً ـ « لما كان الحسين متولداً من فاطمة عليها السلام ، وفاطمة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؛ صح أن يقول : ( وأنا من حسين ) ؛ ولذا يفسر قوله : ( حسين مني ) بالجهة المادية ، وقوله : ( أنا من حسين ) بالجهة المعنوية » (46).

نعم نفهم من تعبير الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( وأنا من حسين ) تلك المكانة العالية للحسين عليه السلام عند جده وعند ربه أيضاً ، وتتجلى تلك المكانة عبر الأحاديث التالية :

أ ـ أخرج الحاكم في ( المستدرك ) وصححه ، وقال الذمني في التخلص على شرط مسلم عن ابن عباس قال : ( أوحي إلى محمد أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفا ) (47).

ب ـ واخرج الثعلبي : « ( أن السماء بكت وبكائها حمرتها ). وأخرج غيره : ( إحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة تُرى بعد ذلك ). وأن ابن سيرين قال : أخبرنا أنّ الحمرة التي تأتي مع الشفق لم تكن قبل الحسين. وذكر ابن سعد أنّ هذه الحمرة لم ترَ في السماء قبل قتله ...

قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه ، والحق تنزه عن الجسمية فاظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق إظهاراً لعظم الجناية » (48).

كما تظهر لنا عناية الباري عَزّ وجَلّ بالحسين عليه السلام ، حيث عَوّضه بإستشهاده في الدنيا بثلاثة أشياء ، كما هو المستفاد من حديث ابن عباس ( ... ثم قال : يا ابن عباس ، من زاره عارفاً بحقه ؛ كتب له ثواب ألف حجة وألف عمره ، ألا من زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما زار الله ، وحق الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار ، وأن الإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته ، والأئمة من ولده ) (49).

وحديث محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمد عليهما السلام يقولان : ( إن الله عوّض الحسين عليه السلام من قتله ؛ أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره ) (50).

وبعد هذا البيان ، إتضح لنا ميزة تربة الطف على غيرها ؛ إذ قدّسها الباري عَزّ وجَلّ بسبب من قتل فيها في سبيله ، وإلى هذا يشير إمامنا السجاد عليه السلام بقوله : ( طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل ؛ فمسهد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ) (51). وفي زيارة الإمام الصادق عليه السلام للشهداء : ( بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الاَرْضُ الَّتي فيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ فَوْزاً عَظيماً ... ) (52) فهل في ذلك مانع ؟!.

أم هل في تفضيل تربة الحسين عليه السلام على بقاع الأرض ، تفضيل الحسين على جده الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟! كلا ، إنّ تفضيلنا لهذه التربة ناشئ من اهتمام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بها كما ذكرنا سابقاً.

ثالثاً ـ سر السجود على تربة الحسين ( عليه السلام ) :

ويوضح لنا هذا السر أحد أعلام الإمامية بقوله التالي :

« ولعل السر في إلتزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية ، ;مضافاً إلى ما ورد في فضلها من الأخبار ، ومفادها إلى أنها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأراضي ، وما يطرح عليها من الفرش والبواري والحصر الملوثة والمملوءة غالباً من الغبار والميكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كل ذلك ؛ لعل من جملة الأغراض العالية والمقاصد السامية ، أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته على تلك التربة تضحية ذلك الإمام نفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ؛ وتحطيم هيكل الجور والفساد والظلم والإستبداد ، ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة ـ وفي الحديث : « أقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده » ـ مناسب أن يتذكر أولئك الذين وضعوا أجسامهم عليها ضحايا للحق ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ؛ ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة ، ولعل هذا هو المقصود من السجود عليها بخرق الحجب السبع كما في الخبر الآتي ذكره ، فيكون حينئذ في السجود سر الصمود والعروج من التراب إلى رب الأرباب إلى غير ذلك من لطائف الحكم ودقائق الأسرار » (53).

 

الدليل الثالث

ـ الإقتداء بأهل البيت عليهم السلام

الطور الأول ـ بداية السجود عليها.

الطور الثاني ـ إنتشار ذلك على مستوى الشيعة .

الطور الثالث ـ عملها ألواحاً.

 

توطئه :

عُرفت الشيعة الإمامية منذ عهد بعيد بشعار السجود على تربة الحسين عليه السلام ، ولو تتبعنا منشأ هذا الشعار وكيفية نشوئه وانتشاره ؛ لتوصلنا إلى أنه يرجع إلى الأطوار الآتية :

الطور الأول ـ بداية السجود عليها :

كان هذا الطور محدوداً لا يتجاوز البيت العلوي إلا لبعض الخلّص من الأصحاب ، كما هو المستفاد من كلمات المجتهد الأكبر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده ) حيث قال : « أما أول من صلى عليها من المسلمين بل من أئمة المسلمين ـ فالذي إستفدته من الآثار ، وتلقيته من جملة أخبار أهل البيت ، ومهرة الحديث من أساتيذي الأساطين الذين تخرجت عليهم برهة من العمر ـ هو زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام ، بعد أن فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره ، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف ، الذي بضعته السيوف كلحم على وضم ؛ فشد تلك التربة في صرة وعمل منها سجاده ومسبحة ، وهي : السبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد ... . ولما رجع الإمام عليه السلام هو وأهل بيته إلى المدينة ؛ صار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها ويعالج بعض مرضى عائلته بها ، فشاع هذا عند العلويين وأتباعهم ومن يقتدي بهم ، فأول من صلى على هذه التربة واستعملها ؛ هو زين العابدين ، الإمام الرابع من أئمة الشيعة الإثني عشر المعصومين » (54).

الطور الثاني ـ إنتشار ذلك على مستوى الشيعة :

في الفترة الزمنية ما بين عام ( 95 ـ 114 هـ ) ، بداية إنتشار شعار العناية بالتربة الحسينية من السجود عليها والإستشفاء والتبرك بها ، حيث إعتنى بذلك الإمام الخامس محمد بن علي الملقب بـ ( الباقر ) عليه السلام ، فبالغ في حث أصحابه على السجود على التربة الحسينية ، ونشر فضلها. ثم زاد على ذلك ابنه الإمام جعفر بن محمد الملقب بـ ( الصادق ) عليه السلام ، فإنه أكّد عليها لشيعته حيث تكاثرت في عهده وأصبحت من كبريات الطوائف الإسلامية ، والروايات خير شاهد على ذلك كما سيأتي :

1 ـ الحسن بن محمد الديلمي في ( الإرشاد ) قال : ( كان الصادق عليه السلام لا يسجد إلا على تربة الحسين عليه السلام تذللاً لله واستكانة إليه ) (55).

2 ـ عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي عبد الله خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله عليه السلام ، فكان إذا حضرت الصلاة ؛ صَبّه على سجادته وسجد عليه ثم قال عليه السلام : ( إنّ السجود على تربة أبي عبدالله يخرق الحجب السبع ) (56).

توضيح « الحجب السبع » :

« الحَجْبَ والحِجَابُ المنع من الوصول .. وقوله تعالى : ( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ) [ الأعراف / 46 ] ؛ ليس يُعنى به ما يحجب البصر ، وإنما يعنى ما يمنع من وصول لَذّةِ أهل الجنة إلى أهل النار ، وأذيّة أهل النار إلى أهل الجنّة ، كقوله عَزّ وجَلّ : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) [ الحديد / 13 ].

والحاجب : المانع عن السلطان ، والحاجبان في الرأس ؛ لكونها كالحاجبين للعين في الذب عنهما » (57).

وبعد إيضاح معنى ( الحجاب ) من الناحية اللغوية ـ وهو معنى عام ينطبق على كثير من المصاديق ـ ينبغي إيضاح ما هو المراد بـ ( الحجب السبعة ) ؟

المستفاد من كلمات العلماء في توضيح معنى ( الحجب السبعة ) أنّها ترجع إلى المعاني التالية :

الأول ـ السماوات السبع :

وقد أشار إلى هذا المعنى مجموعة من الأعلام نذكر منهم ما يلي :

1 ـ الميرزا أبي الفضل الطهراني ( 1273 هـ ـ 1316 هـ ) :

« المراد من الحجب السبعة في حديث معاوية بن عَمّار السماوات السبع ، والمقصود عروج الصلاة إلى الملأ الأعلى وبلوغ القرب الحقيقي » (58).

2 ـ الشيخ جعفر التستري ( 1227 هـ ـ 1303 هـ ) :

« إنّ السجود على ترابها يخرق الحجب السبعة ، ومعنى هذا الحديث ، ... خرق السماوات للصعود » (59).

3 ـ الشيخ حسين الوحيد الخراساني ( دام ظله ) :

« وأما فقه الحديث فلا مجال للإشارة إليه ، فإنّ السجود أعظم عبادة أمر الله سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به للإقتراب إليه : ( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / 19 ]. والإمام المعصوم يتوسل في سجوده الذي هو نهاية تقرّبه بتراب الحسين عليه السلام ، لأن يخرق الحجب السبع . فماذا يمكن أن يقال في شأن دم صار ذلك التراب بإضافته إليه خارقاً للحجاب بين العبد وربه ، موصلاً لعباد الله إلى منتهى كرامة الله. وفي الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام : ( إنّ النبي لما أسري به إلى السماء ؛ قطع سبع حجب ، فكبّر عند كل حجاب تكبيرة ، فأوصله الله عَزّ وجَلّ بذلك إلى منتهى الكرامة ). ومما لابدّ من التأمل فيه أنّ إفتتاح الصلاة بسبع تكبيرات ـ تقوم مقام التكبيرات السبع التي كبّرها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فرفعت له بها الحجب السبعة ليلة الإسراء ـ قد صار سنّة بلسان الحسين عليه السلام ، ففي الصحيح عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي ، فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلم يحِر الحسين التكبير ، ثم كبّر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلم يحِر الحسين التكبير ، فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يكبّر ويعالج الحسين التكبير فلم يحِر ، حتى أكمل سبع تكبيرات ، فأحار الحسين عليه السلام التكبير في السابعة. قال أبو عبدالله عليه السلام : فصارت سنّة ).

فقطع الحجاب بين العباد وربَّ الأرباب في أوّل العروج إلى الله ؛ وهو أول الركعة بلسان الحسين عليه السلام وخرق الحجاب في آخر الركعة ؛ وهو السجود بتربة الحسين عليه السلام » (60).

الثاني ـ الذنوب والمعاصي :

وإلى هذا المعنى أشار بعض الأعلام نذكر منهم ما يلي :

1 ـ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( 1394 هـ ـ 1373 هـ ) :

« ولعلّ المراد بالحجب هي الحاءات السبع من الرذائل ، التي تحجب النفس عن الإستضاءة بأنوار الحق ، وهي : الحقد ، الحسد ، الحرص ، الحدّة ، الحماقة ، الحلية ، الحقارة. فالسجود على التربة من عظيم التواضع ، والتوسّل بأصفياء الحقّ يمزّقها ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبع من الفضائل ، وهي : الحكمة ، الحزم ، الحلم ، الحنان ، الحضانة ، الحياء ، الحبّ » (61).

2 ـ الميرزا أبي الفضل الطهراني ( قده ) :

« .. المعاصي السبع المانعة من قبول الأعمال وحجابها ، وتلك هي المعاصي التي رأى جماعة إنحصار الكبائر بها ـ كما ذكر ذلك في الكتب الفقهية ـ :

أ ـ الشرك ، ب ـ قتل النفس ، ج ـ قذف المحصنة ، د ـ أكل مال اليتيم ، هـ ـ الزنا ، و ـ الفرار من الزحف ، ز ـ عقوق الوالدين.

ومعنى الخرق لهذه الحجب ، أنه إن كان مقروناً بالتوبة الصادقة والعزم الثابت ، فإن الله تعالى يعفو عن الذنوب السالفة ، يمحوها ببركة هذه التربة المقدسة » (62).

3 ـ الشيخ جعفر التستري ( قده ) :

« المراد بالحجب ؛ المعاصي السبع التي تمنع قبول الأعمال ، على ما في رواية معاذ بن جبل ، وأنّ السجود عليها يُنوِّر الأرضين السبع » (63).

الثالث ـ إستنتاج المؤلف :

بعد عرض ما ذكره العلماء الأعلام في توضيح معنى ( الحجب السبع ) ، يمكن القول بترجيح القول الأول وهو ( السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ ) ؛ وذلك بعد بيان ما يلي :

أولاً ـ السجود :

لابد من ملاحظة السجود باعتباره أعظم مراتب الخضوع والخشوع لله عَزّ وجَلّ ، بل الإيمان الخالص له سبحانه في العبادة في أعظم وأقرب مصاديقها ، ويتضح ذلك بعد عرض الروايات التالية :

1 ـ عبد الواحد الآمدي في الغرر : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : ( السجود الجسماني : وضع عتائق الوجوه على التراب ، وإستقبال الأرض بالراحتين والركبتين ، وأطراف القدمين ، مع خشوع القلب وإخلاص النية ).

السجود النفساني : فراغ القلب من الفانيات ، والإقبال بكنه الهمة على الباقيات ، وخلع الكبر والحمية ، وقطع العلائق الدنيوية ، والتحلي بالأخلاق النبوية ) (64).

2 ـ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( إن الأرض التي يسجد عليها المؤمن يضئ نورها إلى السماء ) (65).

3 ـ قال الصادق عليه السلام : ( السجود على تربة قبر الحسين عليه السلام يُنوّر الأرضين السبع ، ومن كان معه سبحه من طين قبر الحسين عليه السلام ؛ كان مسبّحاً وإن لم يُسبّح بها ) (66).

ثانياً ـ معنى ( الخَرْق ) :

لو تصفحنا الكتب اللغوية ؛ لتوصلنا إلى عدة معانٍ متقاربة أهمها ما يلي :

1 ـ الفُرْجَة والشَقّ والقطع :

« الخَرْقُ : الفُرْجَة ، وجمعه خُروق .. الخرق الشّق في الحائط والثوب ونحوه » (67).

وقال الراغب الإصفهاني : « وبإعتبار القطع قيل : خَرَقَ الثوب وخَرّقه ، وخَرَقَ المَفاوِز واخترق الريح. وخُصّ الخَرقْ والخَرِيق بالمفاوز الواسعة ؛ إمّا لإختراق الريح فيها ، وإمّا لتخرُّقها في الفَلَاة ، وخُصّ الخَرْق بمن ينخرق في السحاب .. وقوله تعالى : ( إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ ) [ الإسراء / 37 ]. فيه قولان : أحدهما ـ لن ينقطع ، والآخر لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر ، إعتباراً بالخرق في الأذن » (68).

2 ـ البلوغ :

قال الشيخ الطريحي (ره) : « قوله تعالى : ( إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ ) ؛ أي تبلغ آخرها » (69).

ثالثاً ـ أهمية السماء :

وقد أشار إلى هذه الأهمية أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله : ( فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطّدات بلا عمد ، قائمات بلا سند ، دعا هن فأجبن طائعات مذعنات غير متلكّئات ولا مبطئات ، ولولا إقرارهنّ بالربوبية ، وإذعانهن بالطواعية ؛ لما جعلهن موضعاً لعرشه ، ولا مسكناً لملائكتة ، ولا مصعداً للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه ) (70).

وبعد عرض هذا المقطع من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام ؛ ينبغي الإشارة إلى الآيات التالية :

الأولى ـ قوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ) [ المؤمنون / 17 ] المراد بـ ( سَبْعَ طَرَائِقَ ) السماوات السبع ، وَعبّرت عنها الآية بـ ( طَرَائِقَ ) ؛ لأنها طرائق الملائكة في العروج والهبوط والطيران ، وما يترتب على ذلك من نزول الوحي على الأنبياء ، ورفع الأعمال البشرية.

الثانية ـ قوله تعالى : ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) [ الذاريات / 22 ].

قيل المراد أنها أسباب رزقكم أو تقديره. ( وَمَا تُوعَدُونَ ) من الثواب ؛ لأنّ الجنة فوق السماء السابعة ، أو لأنّ الأعمال وثوابها مكتوبة مُقَدّرة في السماء.

الثالثة ـ قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) [ الأعراف / 40 ] ؛ أي لا تفتح لهم أبواب السماء لأدعيتهم وأعمالهم ، أو لأرواحهم ، كما تفتح لأعمال المؤمنين وأرواحهم ، ويُؤيِّد هذا المعنى ما روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال : ( أما المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء ، فتُفتّح لهم أبوابها ، وأما الكافر فيُصْعَدُ بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادي منادٍ : إهبطوا به إلى سِجِّين ؛ وهو وادٍ بحضرموت يقال له : بَرَهُوت ) (71). وبعد إيضاح ما تقدم ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ إنّ السجود أعظم أركان الصلاة ؛ حيث يتحقق فيه غاية الخضوع والخشوع والقرب إلى الله عَزّ وجَلّ في هذه العبادة. وإذا كان على تربة سيد الشهداء الحسين عليه السلام والصفوة من أهل بيته وصحبه الكرام ، فيناسب للساجد وهو في هذه الحالة العبادية ، أن يتذكر بوضع جبهته على تلك التربة الطاهرة تضحية تلك الصفوة النبوية والمؤمنة في سبيل المبدأ والعقيدة. الذين صعدت دماؤهم وأرواحهم إلى أعلى عليين ، فيكون حينئذ في السجود سرّ الصعود والعروج من التراب إلى رب الأرباب ، فيتحقق ( خرق الحجب السبعة ) ؛ وهي السماوات السبع.

ثانياً ـ أما ما ذهب إليه بعض الأعلام من تفسير ( الحجب السبعة ) بالذنوب والمعاصي ؛ فيمكن مناقشته. كالتالي :

أ ـ ما ذهب إليه الشيخ كاشف الغطاء ، من أنّ المراد بها الحاءات السبع من الرذائل ؛ فهذا إستنتاج عقلي محض يحتاج إلى مؤيد من الروايات وغيرها.

ب ـ وأما ما ذكره الميرزا أبي الفضل الطهراني ، والشيخ التستري من إنحصار الكبائر بالسبع ؛ فهذا غير واضح من الروايات ؛ لذا إختلف الفقهاء في حصر الكبائر في عدد مُعَيّن ، فبقي لدينا القول بكونها هي السماوات السبع ، وقد أوضحنا ذلك في بيان أهمية السماء.

الطور الثالث ـ عملها ألواحاً :

وبعد عصر الصادق عليه السلام ، سار على نهجه الأئمة من ولده في تحريك العواطف ، وتحفيز الهمم ، وتوفر الدواعي إلى السجود على تربة الحسين عليه السلام ، وبيان تضاعف الأجر والثواب في التبرك بها والمواظبة عليها ، حتى إنتشر ذلك بين الشيعة في بلادهم مع عظيم الإهتمام بها ، فلم يمضِ على زمن الصادق عليه السلام قرن من الزمن ؛ حتى صارت الشيعة تصنعها ألواحاً وتضعها في جيوبها كما هو المتعارف اليوم.

فيظهر أن صنع التربة ألواحاً ـ كما هو المتعارف اليوم ـ كان في وسط القرن الثالث الهجري ؛ أي حدود المائتين وخمسين هجرية ، أي في الغيبة الصغرى ، كما هو المستفاد من الخبر التالي :

عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري : عن صاحب الزمان عليه السلام : ( أنه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر ، هل فيه فضل ؟ فأجاب يجوز ذلك وفيه الفضل ) (72).

وخلاصة الدليل ؛ أي الإقتداء بأهل البيت عليهم السلام في السجود على تربة الحسين عليه السلام ، أن المستفاد من الروايات المتقدمة ، من سجود الإمام زين العابدين عليه السلام ومن جاء بعده من الأئمة ، خير شاهد ودليل على إلتزام الشيعة الإمامية بذلك ، وهل في ذلك إشكال ؟ بعد أن أوصانا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بالتمسك والإقتداء بهم كما في حديث الثقلين المشهور بين المسلمين ، عن زيد بن أرقم : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود بين السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي . ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) (73).

ويقول الشيخ ابن تيمية : « وإذا كانوا خير الخلائق ؛ فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال » (74). وهذا إعتراف منه صريح بصحة عمل من إتبع أهل البيت عليهم‌السلام في أقوالهم وأفعالهم ، لا يشك في ذلك أحد من المسلمين ، وإلى هذا يشير بعض العلويين بقوله :

قل لمن حجنا بقول سوانا

 

حيث فيه لم يأتنا بدليل

نحن نروي إذا روينا حديثاً

 

بعد آيات محكم التنزيل

عن أبينا عن جدنا ذي المعالي

 

سيد المرسلين عن جبرئيل

وكذا جبرئيل يروي عن الله

 

بلا شبهة ولا تأويل (75)

الهوامش

1. هو عبدالرحمن بن مالك الهمداني ( أبو عائشة ) ، المتوفى عام 62 هـ ، تابعي من رجال الصحاح الست ، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وكان فقيهاً ، ومن أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة . راجع طبقات ابن سعد 1 / 50 ، وتهذيب التهذيب 10 / 270.

2. ابن أبي شيبة ، الحافظ عبدالله بن محمد : المصنف ج 2 / 270.

3. الهيثمي ، الحافظ نور الدين ، علي بن أبي بكر : مجمع الزوائد ، ج 9 / 189.

4. ابن حجر ، الحافظ شهاب الدين ، أحمد : تهذيب التهذيب ، ج 2 / 246.

5. النيسابوري ، الحافظ محمد بن أحمد : سيرة أعلام النبلاء ، ج 3 / 194 .

6. العقاد ، عباس محمود : أبو الشهداء ، الحسين بن علي / 86 ـ 87.

7. أمين النجفي ، الدكتور أحمد : التكامل في الإسلام ، ج 4 / 170.

8. ذكر هذا الدليل المحقق الأميني ( قده ) في ( سيرتنا وسنتنا / 170 ـ 180 ) بعنوان الإستحسان العقلي ، وجئت بصياغة أخرى لهذا الدليل بعنوان ( الإحتياط طريق النجاة ) فهو أقرب إلى الإحتياط العقلي ؛ لأن الإستحسان العقلي لا تؤمن به الإمامية.

9. هو علي بن عبدالله بن عباس بن عبد المطلب ، ولد سنة 40 هـ ليلة قتل علي بن أبي طالب (ع) ، وتوفي سنة ( 117 أو 118 ) . راجع ( الطبقات لابن سعد ، ج 5 / 229 ) . وقال ابن حجر : ثقة قليل الرواية. وذكره ابن حيان في الثقات ، راجع تقريب التقريب / 342 ، وتهذيب التهذيب ج 3 / 180 دار الرسالة ، ط 1416 ، وحكى المبرد وغيره : لما ولد علي بن عبد الله جاء أبوه إلى أمير المؤمنين (ع) فقال : ما سميته ؟فقال : أو يجوز لي أن أسميه قبلك ؟ فقال (ع) : قد سميته باسمي وكنيته بكنيتي وهو أبو الأملاك. راجع العقد الفريد ج 5 / 103 ـ 105 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، ج 7 / 148.

10. الأزرقي ، أبو الوليد محمد بن عبد الله : أخبار مكة ، ج 2 / 151.

السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن عبد الله : وفاء الوفاء ، ج 1 / 115.

ابن أبي شيبه ، الحافظ عبد الله بن محمد : الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، ج 1 / 275.

11. السماوي ، الشيخ محمد بن الشيخ طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / 6 ، 17

12. نفس المصدر.

13. الخليلي ، جعفر بن الشيخ أسد الله : موسوعة العتبات المقدسة ، ج 13 / 16

14. نفس المصدر / 10.

15. المصدر السابق / 17 ـ 18 ( الحاشية ).

16. التستري ، الشيخ جعفر : الخصائص الحسينية / 37.

17. ابن نما ، محمد بن جعفر الحلي : مثير الأحزان ، ج 1 / 97.

18. ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / 60 ، ( باب 17 ).

19. نفس المصدر / 271 ـ 272 ، ( باب 88 ).

20. ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / 268 ( باب 88 )

21. نفس المصدر / 270.

22. المصدر السابق / 270.

23. ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / 93.

24. ابن حجر ، أحممد بن علي : تهذيب التهذيب / ج 2 / 346.

25. ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / 192

26. الهندي ، علاء الدين ، علي المتقي : كنز العمال ، ج 13 / 108.

27. ابن حجر ، أحمد بن علي : المطالب العالية بزوائد المساند الثمانية / 90.

28. ابن كثير ، عماد الدين ، إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية ، ج 6 / 230.

29. الهيثمي ، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر : مجمع الزوايد ، ج 9 / 189.

30. ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / 192.

31. المرعشي ، السيد شهاب الدين : إحقاق الحق وملحقاته ، ج 11 / 339 ـ 412.

32. النووي ، محي الدين بن شرف : المجموع في شرح المهذب ، ج 7 / 469 ـ 470.

33. ابن حزم ، علي بن أحمد : المحلى ، ج 7 / 279.

34. الشوكاني ، محمد بن علي : نيل الاوطار ، ج 5 / 35.

35. السمهودي ، نور الدين علي : وفاء الوفاء : ج 1 / 28.

36. الطوسي ، شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن : الخلاف ، ج 2 / 451.

37. الشيرازي ، السيد علي خان : رياض السالكين ، ج 1 / 476.

38. نفس المصدر / 477.

39. نفس المصدر / 476.

40. بحر العلوم ، السيد محمد مهدي الطباطبائي : الدرة النجفية / 97.

41. نفس المصدر / 103.

42. ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / 25.

43. الترمذي ، محمد بن عيسى : سنن الترمذي ، ج 2 / 307 ( مناقب الحسن والحسين ).

44. ـ الفيروزآبادي ، السيد مرتضى الحسيني : فضائل الخمسة ، ج 3 / 322 ـ 323.

45. ـ العمران ، العلامة الشيخ فرج : الأزهار الأرجية ، ج 2 / 96.

46. ـ نفس المصدر.

47. الصبان ، الشيخ محمد : إسعاف الراغبين / 192 ، ( مطبوع بهامش ـ نور الأبصار : للشبلنجي ).

48. ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / 194.

49. المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج 36 / 286 ( باب : 41 ـ حديث 107 ).

50. نفس المصدر ، ج 44 / 221 ، ( باب 29 ـ حديث 1 ).

51. المقرم ، السيد عبدالرزاق : مقتل الحسين / 320.

52. القمي ، الشيخ عباس : مفاتيح الجنان / 526.

53. كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / 27.

54. كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / 31.

55. الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج 3 / 608 ( باب 16 من أبواب ما يسجد عليه ، حديث 4 ).

56. نفس المصدر ( باب ـ 16 ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث 3 ).

57. الراغب الإصفهاني ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن ، ج 1 / 141 ـ 142.

58. الطهراني ، الميرزا أبي الفضل : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور ، ج 1 / 419.

59. التستري ، الشيخ جعفر : الخصايص الحسينية / 130.

60. الخراساني ، الشيخ حسين الوحيد : مقدمة في أصول الدين / 361 ـ 362.

61. كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / 32.

62. ـ الطهراني ، الميرزا أبي الفضل : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور ، ج 1 / 419.

63. التستري ، الشيخ جعفر : الخصائص الحسينية / 130 ـ 131.

64. الطبرسي ، ميرزا حسين النوري ، مستدرك الوسائل ، ج 4 / 486 ( باب 23 ، من أبواب السجود ).

65. نفس المصدر / 485.

66. الحر العاملي ، الشيخ محمد بن حسن : وسائل الشيعة ، ج 3 / 608 ( باب ـ 16 ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث 1 ).

67. الطبرسي ، ميرزا حسين النوري : مستدرك الوسائل ، ج 4 / 486 ( باب 23 ـ من أبواب السجود ـ حديث 9 ).

68. الراغب الإصفهاني ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن ، ج 1 / 149.

69. الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج 5 / 153.

70. ابن أبي الحديد ، عبدالحميد : شرح نهج البلاغة ، ج 10 / 81 ـ 82.

71. البحراني ، السيد هاشم الموسوي : البرهان في تفسير القرآن ، ج 3 / 162.

72. الحر العاملي ، الشيخ محمد بن حسن : وسائل الشيعة ، ج 3 / 608 ( باب 16 من أبواب ما يسجد عليه ، حديث 9 ).

73. الترمذي ، محمد بن عيسى : سنن الترمذي ، ج 2 / 308.

74. ابن تيمية ، أحمد عبد الحليم : رأس الحسين / 1704 « مطبوع مع استشهاد الحسين ـ للحافظ ابن كثير ـ تقديم الدكتور محمد جميل غازي ـ القاهرة ـ مطبعة المدني.

75. الحر العاملي ، الشيخ محمد بن حسن : الجواهر السنية في الأحاديث القدسية / 177.

مقتبس من كتاب : [ تربة الحسين عليه السلام ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 55 ـ 95

 

أضف تعليق

التربة الحسينيّة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية