المعروف عن الشيعة الإمامية أنها تقوم بتحنيك أولادها بتربة الحسين عليه السلام ، فما هذا التحنيك ؟

البريد الإلكتروني طباعة

المعروف عن الشيعة الإمامية أنها تقوم بتحنيك أولادها بتربة الحسين عليه السلام ، فما هذا التحنيك ؟ وما أسبابه ؟ وما فائدته ؟

يبتني هذا التساؤل على الأمور التالية :

أولاً : ما هو التحنيك ؟

« التحنيك مأخوذ من الحنك وهو : ما تحت الذقن من الإنسان وغيره . أو الأعلى داخل الفم والأسفل في طرف مُقَدّم اللحيين من أسفلهما . والجمع أحناك » (1) .

« والتحنيك : أنْ يمضغ المحَنِّك التمر أو نحوه حتى يصير مائعاً بحيث يُبتلع ، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها في جَوّفِه .

قال النووي : إتفق العلماء على إستحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر ، فإنْ تعذر فما في معناه أو قريب منه من الحلو . قال : ويستحب أنْ يكون من الصالحين وممن يُتَبَرّك به رجلاً كان أو إمرأة ، فإنْ لم يكن حاضراً عند المولود حُمِلَ إليه » (2) .

وقال المحقق الطريحي : « واتفقوا على تحنيك المولود عند الولادة بتمر . فإنْ تعذر فبما في معناه من الحلو ؛ فيمضغ حتى يصير مائعاً فيوضع في فيه ليصل شيء إلى جوفه . ويستحب كون المحنك من الصالحين ، وأنْ يدعو للمولود بالبركة . ويستحب تحنيكه بالتربة الحسينية والماء ، كأن يدخل ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم » (3) .

ويستفاد من كلمات بعض الفقهاء : « وتحنيكه بتربة الحسين عليه السلام وبماء الفرات وهو النهر المعروف للنصوص ... ( ومع عدمه ) أي ماء الفرات ، وما ذكروه من مطلق الماء الفرات بعد تعذر ماء الفرات لم نقف على نص ، ولا بأس بمتابعتهم حيث يتعذر ماء السماء فيحنك به مسامحة في أدلة السنن ، ( وإنْ لم يوجد ) الماء الفرات ولا غيره ـ ( إلا ماء مالح خلط بالعسل أو التمر ) لورود التحنيك بكل منهما » (4) .

ثانياً ـ ما هي أسبابه ؟

لعلّ أهم أسبابه ودواعيه ، ترجع إلى الأمور التالية :

الأول ـ ما صنعه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأهل بيته وأبناء المسلمين :

وردت كثير من المرويات في الكتب الإسلامية التي تذكر أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قام بتحنيك أطفال أهل بيته والمسلمين ، نذكر منها الآتي :

1 ـ في حديث ولادة الحسن بن علي « وألباه بريقه » أي صبّ في فيه ، كما يُصبّ اللَّبأ في فم الصبي ، وهو أول ما يحلب عند الولادة (5) .

وفي لفظ ابن كثير : « فَحَنّكَه رسول الله بريقه وسماه » (6) .

2 ـ لما ولد إبراهيم بن أبي موسى الأشعري ، أتى به أبوه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؛ فَسَمّاه إبراهيم ، وحنكه بتمرة ، وكان أكبر ولده (7) .

3 ـ وعن أنس ، أنّ أم سليم ولدت غلاماً ، قال : فقال لي أبو طلحة : إحفظه حتى يأتي به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأتاه به وأرسلت معه بتمرات ، فأخذها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فمضغها ، ثم أخذها من فيه فجعلها في فم الصبي وحنكه به وسمّاهُ عبدالله (8) .

هذه بعض الأمور التي ذكرها لنا التاريخ من سيرة المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم في أهل بيته وصحابته ، نعم أقام عليها سنة التحنيك وبارك عليهم ، وهكذا تعمل الإمامية بهذه السيرة عن طريق تربة ريحانته سيد الشهداء عليه السلام .

الثاني ـ إتباع أهل البيت ( عليه السلام ) :

قد وردت عنهم الروايات الحَاثّة على تحنيك أولاد الشيعة بتربة الحسين منها الآتي :

عن الحسين ابن العلاء قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( حنكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السلام فإنها أمان ) (9) .

ثالثاً ـ فوائده :

وقد أشارت أبحاث عديدة ـ نشرت في المجلات والكتب الطبية ـ إلى فوائد التحنيك بالنسبة للأطفال ، وهذه بعض مقالات كبار الأطباء في العالم العربي وغيره :

يقول الدكتور حَسّان شَمْسِي باشا : « يقول ـ أخي وصديقي ـ الدكتور « فاروق مساهل » في كتابه « تكريم الإسلام للإنسان » : والتحنيك هو معجزة طبية للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم تظهر الحكمة من ورائها إلا حديثاً . فالطفل ـ بعد ولادته ـ يجد نفسه وقد إنفصل عن أمه ، وإنقطع سبل الغذاء الجاهز إليه ، فيلجأ للإعتماد على ما إستطاع جسمه تخزينه من الطعام ـ وهذا ليس بالكثير ـ أثناء حمله في رحم أمه ، لحين إفراز اللبن من ثدي والدته . ويستغرق إفراز اللبن وقتاً متفاوتاً من الزمن ( من يوم إلى يومين ) .

وبما أنّ نشاط أجهزة جسم المولود تكون في قمتها في محاولة لملاءمة الوضع الجديد وهو الخروج إلى هذا العالم ، فإنّ المخزون في جسمه يستهلك بسرعة ، وقد تنخفض تبعاً لذلك نسبة السكر في الدم . وحيث أنّ الفترة الحرجة في إطعام الطفل تقع بين إنتهاء ولادته وبدء رضاعته ، فإننا نجد تكريم المولود على يد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بتحنيكه بالتمر ( المملوء بالسكر ) والذي يمتص بسرعة في عروقه ، فيحافظ على مستوى السكر في دمه ، أو يرفعه إلى مستواه الطبيعي . ويحتوي لبن الأم على كمية من السكر أكبر بكثير من تلك التي توجد في لبن الرضاعة لأي من مخلوقات الله الأخرى . فنسبته في لبن الأم تبلغ 7.2 % ، بينما تبلغ نسبته 4.9 % عند البقر مثلاً . ومن هنا تتضح أهمية السكر للمولود ، والأهمية العظمى للتحنيك في تغطية هذه الفجوة في تغذية المولود بين ولادته وبدء رضاعته من لبن أمه . ومن التحنيك نشأت عند الناس عادة إعطاء المولود الماء المُحلّى بالسكر حتى يجهز اللبن في ثدي الأم » (10) .

ويقول الدكتور « عبدالمجيد قطمة » رئيس الجمعية الطبية الإسلامية في بريطانيا : « إنّ هذا الإكتشاف يؤكد أنّ الإسلام هو دين الرحمة والشفاء للبشرية جمعاء ، وأنّ طبيب البشرية محمداً ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ كان أوّل من وضع المادة السكرية في فم الوليد ، وذلك بتحنيكه بالتمر الممضوغ في فمه الطاهر ، وجعل هذا الفعل شائعاً بين المسلمين . هذا وقد قامت مجموعة من العلماء والأطباء والباحثين الإنجليز في المستشفى الجامعي في مدينة ( ليدز ) بشمال إنجلترا بإجراء تجارب على الأطفال حديثي الولادة لمعرفة تأثير إعطاء جرعات مختلفة من محلول السكر ( السكروز ) على بكاء الطفل وإحساسه بالألم بسبب غرز حقنه لسحب الدم ، وتوصلوا إلى أنه كلما زادت نسبة السكر في المحلول السكري في فم الطفل خَفّ البكاء والإحساس بالألم ، وخفَّت سرعة نبضات القلب . كما أنّ وضع مادة سكرية في فم الطفل بعد ولادته تحمل بطريقة مدهشة على تخفيف أو منع الألم ، حيث توصل العلماء البريطانيون إلى أنّ إثنين ملليجرام من محلول سكري يخففان كثيراً من بكاء الطفل ، ويقلِّلان من إحساسه بالألم عند وَخْزِه بالحقنة لسحب عَيِّنة من الدم أو عند القيام بعملية الختان » (11) .

وبعد هذا البيان المتقدم ، لا ملامة على الشيعة الإمامية فيما تقول به من تحنيك أولادها بهذه التربة الزكية ، ولا يعتبر عملها بدعة أو خرافة بعد أنْ ورد عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم سُنَة التحنيك بالتمر ونحوه ، وبعد أنْ حَثّ أهل البيت عليهم السلام شيعتهم على تحنيك أولادهم بتربة الحسين عليه السلام ! والله على ما تقول شهيد ، والحمد لله على نعمة التوفيق بإنهاء هذا البحث ، ومسك ختامه الصلاة والسلام على أفضل الخلق محمد وآله الهداة .

الهوامش

1. الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج 5 / 263

2. الشوكاني ، محمد بن علي محمد : نيل الأوطار ، ج 5 / 163

3. الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج 5 / 163

4. ـ الطباطبائي ، السيد علي : رياض المسائل ، ج 7 / 229 .

5. ـ ابن الأثير ، مجدالدين : المبارك بن محمد : النهاية في غريب الحديث ، ج 4 / 22

6. ـ ابن كثير ، عماد الدين ، إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية ، ج 8 / 33 .

7. ـ البخاري ، الحافظ محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج 7 / 108 ، وج 8 / 54 .

8. ـ الشوكاني : محمد بن علي محمد بن علي محمد : نيل الأوطار ، ج 5 / 161 .

9. ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج 10 / 410 ( باب (70) من أبواب المزار وما يناسبة ، حديث 8 ) .

10. ـ باشا ، د / حَسّان شَمسِي : الأسودان التمر .. والماء بين القرآن والسنة والطب والحديث / 75 ـ 76 .

11. ـ عبدالصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج 4 / 16 .

مقتبس من كتاب : تربة الحسين عليه السلام / المجلّد : 1 / الصفحة : 188 ـ 192

 

أضف تعليق

التربة الحسينيّة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية