هل كان أبو بكر من أجود الناس ؟

البريد الإلكتروني طباعة

هل كان أبو بكر من أجود الناس ؟

2 ـ وكان مشهوراً بيننا أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « ما نفعني مال أحد مثل ما نفعني مال أبي بكر » ، وأنه كان من المنفقين كثيراً على النبي وغيره من المسلمين ، وأنه أعتق كثيراً من الأرقّاء المعذّبين في سبيل الله .

ولكن عندما ينظر المرء إلى وقائع التاريخ يشك في جميع تلك الإدعاءات .

فمثلاً : إن المؤرخين يقولون : إن أبابكر لما خرج مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الهجرة أخذ ماله معه ، وهو خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف ، وكان له غنم يرعاها مولى له باسم عامر بن فهيرة ، ويريح عليهما إذا أمسى كي يحتلبا ويذبحا ، وأنه اشترى راحلتين له وللنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بثمانمائة درهم (1) .

فيفكر المرء : إذا كان لأبي بكر هذه الأموال فلم لم ينفق على النبي والمسلمين وهم في شعب أبي طالب محصورون ، وكان صبيانهم يتضاغون جوعاً ، وكانوا يقتاتون بورق الشجر ، حتى هلك من هلك ، وقد أنفق أبو طالب وخديجة جميع أموالهما عليهم ؟!

قال ابن أبي الحديد : قال أبو جعفر رحمه‌الله : إني لا أشك أن الباطل خان أبا عثمان والخطأ أقعده والخذلان أصاره إلى الحيرة ، فما علم وعرف حتى قال ما قال ، فزعم أن علياً قبل الهجرة لم يمتحن ولم يكابد المشاق ، وأنه إنما قاسى مشاق التكليف ومحن الابتلاء منذ يوم بدر ، ونسي الحصار في الشعب وما مني به منه ، وأبوبكر وادع رافه يأكل ما يريد ويجلس مع من يحب ، مخلّى سربه طيبة نفسه ساكناً قلبه ، وعلي يقاسي الغمرات ويكابد الأهوال ويجوع ويظمأ يتوقع القتل صباحاً مساء (2) .

لما نزل قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ) ، فلم يعمل بها غير علي عليه السلام ، لا الصديق الجواد ! ولا غيره من الصحابة .

فقد ورد من طرق أهل السنة والجماعة بعدة طرق عن أبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن عمر وابن عباس وأمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي : آية النجوى ، كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت كلما ناجيته صلّى الله عليه وآله وسلّم قدمت بين يدى نجواي درهماً ، ثم نسخت بقوله تعالى : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ) (3) .

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي على شرطهما في تلخيصه .

وأورده المتقي الهندي في كنزه عن سعيد بن منصور وابن راهويه وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه (4) .

والعجب من الذهبي كيف استطاع أن يعترف بصحة هذا الحديث !! ولم يفعل مثل صنيعه المستمر ، كما فعل ابن كثير الشامي ، حيث قال : وقد قيل : إنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب (5) .

فلما رأيت هذه القصة قلت في نفسي : فلماذا يتصدق من له دينار واحد كل مرة بدرهم كي يتناجى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى نفدت دراهمه العشرة ؟ ولا يتصدق ذلك الرجل الغني الجواد والصحابي الملازم للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى بدرهم واحد كي يذهب ويتناجى مع صديقه ؟!

وقد قالوا : إن أبا بكر أنفق جميع أمواله على النبي عدّة مرات ، ومنها يوم المسير إلى معركة تبوك ، وفيه جهز بأمواله مقداراً عظيماً من جيش الإسلام .

ولكن لو فكر المرء قليلاً يفهم بأن الرجل الجواد لا يستطيع أن يجمع ذلك المقدار من المال في حين أن هناك من المسلمين وخاصة أصحاب الصفة من كانوا في أمس الحاجة إلى انفاق أهل الجود والكرم عليهم .

الهوامش

1. كنز العمال : 16 / 681 ـ 683 ح : 46317 و 46318 عن أحمد والطبراني ، مجمع الزوائد : 6 / 59 ، الثقات لابن حبان : 1 / 117 ـ 120 ، السيرة النبوية لابن هشام : 2 / 485 و 487 و 488 ، دلائل النبوة : 2 / 475 ، سبل الهدى والرشاد : 3 / 239 ـ 240 ، تاريخ الطبري : 1 / 568 ـ 570 .

2. البداية والنهاية : 3 / 105 ـ 106 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 256 ، سبل الهدى والرشاد : 2 / 377 .

3. سورة المجادلة : 12 ـ 13 .

4. المستدرك مع تلخيصه : 2 / 482 ، شواهد التنزيل للحسكاني : 2 / 311 ـ 324 ح : 949 ـ 966 حول الآية : 171 ، المناقب للخوارزمي / 276 ـ 277 ح : 261 ـ 263 ، المناقب لابن المغازلي / 325 ح : 372 و 373 ، الجامع لاحكام القرآن : 17 / 302 ، المصنف لابن أبي شيبة : 6 / 376 ح : 32116 ، سنن الترمذي : 5 / 196 ح : 3311 ، منتخب الكنز : 2 / 21 ، صحيح ابن حبان : 15 / 390 ـ 391 ح : 6941 ، البحر المحيط : 10 / 129 ، مفاتيح الغيب : 29 / 271 و 272 ، تذكرة الخواص / 26 ، كنز العمال : 2 / 521 ح : 4651 ـ 4652 ، جامع البيان : 14 / 20 ـ 21 ، كفاية الطالب / 117 ـ 118 ، ينابيع المودة / 100 ـ 101 ، فرائد السمطين : 1 / 357 ح : 283 و 284 .

5. تفسير القرآن العظيم : 4 / 349 ـ 350 .

مقتبس من كتاب : [ الهجرة إلى الثقلين ] / الصفحة : 125 ـ 128

 

أضف تعليق

أبو بكر

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية