زيف « مُروا أبا بكر ليصلّ بالناس »

البريد الإلكتروني طباعة

زيف « مُرّوا أبا بكر ليصلّ بالناس »

عند البحث والتقصّي وجدتُ أنّ أبا بكر لم يكن الوحيد الذي يصلّي بالناس ، كما يحتجّ الكثير من علماء السنّة بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قد سمّى خليفته بالإشارة أو القول بوساطة زوجته عائشة ابنة أبي بكر بأن يؤمّ الناس في الصلاة ، فبنوا رأيهم عن هذا الحديث.

قالت عائشة ـ والرواية هي تنقلها ـ : « لمّا ثقل رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال : مرّوا أبا بكر فليصلّ بالناس ، فقلت : يا رسول الله إنّ أبابكر رجل أسيف وأنّه متى يقوم مقامك لا يُسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : مرّوا أبا بكر فليصلّ بالناس ، قالت : فقلت لحفصة : قولي له إنّ أبابكر رجل أسيف وإنّه متى يقوم مقامك لا يُسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقالت له ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنّكن لأنتنّ صواحب يوسف ، مُرّوا أبا بكر فليصلّ بالناس ، قالت : فأمروا أبا بكر يصلّي بالناس » (1).

وهذا الحديث يسقط لعدّة أوجه :

أوّلاً : لم يذكر هذا الحديث أحد سوى عائشة ، وهذا معناه حديث آحاد لا يقبل.

ثانياً : هي تعرّف رسول الله بأبيها ، وهل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يعرف أبا بكر ، فلماذا هذا التركيز ؟!

ثالثاً : لماذا تطلب من حفصة ذلك ، فهي تزكي والدها وتزكي عمر ، بل تدفع بحفصه لتزكيتهما.

رابعاً : إنّ أبا بكر صلّى وراء العديد من الصحابة :

أ ـ صلاة عمرو بن العاص إماماً ويؤمّه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين في غزوة ذات السلاسل.

ب ـ هذا البخاري يحدّثنا أنّ سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين والأنصار في مسجد قباء (2).

ج ـ يوم فتح مكّة أمر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عتاب بن أسيد أن يصلّي بالناس ومعهم أبو بكر (3).

د ـ عندما مرض عمر بن الخطاب دعا صهيب الرومي أن يؤم المصلّين بما فيهم المبشّرين بالجنّة (4).

فلماذا لم يحتجّ كلّ هؤلاء بأولويّتهم بالخلافة ؟ حتّى أنّ أبا بكر لم يحتجّ بذلك يوم السقيفة ، فيتبيّن لنا أنّ هذا الحديث مختلق موضوع ، وضعه الأمويّون لتبرير إقصاء الإمام علي عليه السلام عن الخلافة ، وبعد هذا سقط زيف الصلاة.

الهوامش

1. صحيح مسلم : ١ / ٢٦٣ « ٤١٨ ».

2. صحيح البخاري : ٤ / ٣٨٥ « ٧١٧٥ » كتاب الأحكام.

3. الطبقات الكبرى لابن سعد : ٢ / ١٠٤ « غزوة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عام الفتح ».

4. الكامل في التاريخ لابن الأثير : ٣ / ٥٠.

مقتبس من كتاب : [ ومن النهاية كانت البداية ] / الصفحة : 226 ـ 228

 

التعليقات   

 
# علي 2025-03-19 05:59
تعال أعلمك الفرق:هؤىء الذين ذكرت لم يصر النبي ص على صلاتهم بالناس كما أصر على صلاة الصديق صاحبه في الغار حين افترحت عليه ام المؤمنين غيره فغضب وقال مروا أبا بكر فليصل بالناس
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 
 
# الشيخ مهدي المجاهد 2025-05-21 09:16
تعال أُعلّمك الفرق الحقيقي ، لا كما يُروّج له البعض بلا تحقيق ولا تدبّر. نعم ، أولئك الذين صلّوا بالناس لم يُصرّ النبي صلّى الله عليه وآله على صلاتهم كما يُروى في حديث عائشة عن أبيها ... لكن الفارق الجوهري ليس في الإصرار ، بل في الصدق والرواية والمصدر والمقصد.
دعني أوضح ل ك:
الرواية نفسها موضع شك : الحديث منقول عن عائشة فقط ، دون أيّ شاهد أو تأييد من الصحابة ، ما يجعله حديث آحاد لا يُثبت به أصلٌ خطير كالخلافة ، خاصّة إذا تعارض مع النصوص القطعيّة في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.
عائشة ليست محايدة : هي هنا طرف في القضيّة ، تُروّج لأبيها ، وتُحاول دفع النبي صلّى الله عليه وآله لتركه واختيار عمر ، ثم تنقل غضب النبي ورفضه ... فهل يُبنى أصل الخلافة على رواية خصم له مصلحة ظاهرة ؟!
السياق لا يدلّ على الخلافة أصلاً : غاية ما في الحديث ـ على فرض صحّته ـ أنّ النبي أمر أبا بكر بالصلاة في أيّام مرضه ، وهي إمامة مؤقّتة ظرفيّة في الصلاة ، لا علاقة لها بإمامة الأمّة وخلافتها ، والتي تحتاج إلى نصّ جليّ وتوصية صريحة ، كما حصل مع حديث الغدير وغيره من النصوص المتواترة في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام.
الصلاة لا تعني الأفضليّة : أَمّ أناسٌ كثيرون في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وصلّى خلفهم كبار الصحابة ، ولم تُعتبر هذه إمارة أو دليلاً على أفضليّتهم.
لم يحتجّ بها أبو بكر نفسه !
في يوم السقيفة ، حين اشتدّ النزاع على الخلافة ، لم يأتِ أبو بكر بحديث الصلاة أصلاً ، بل احتجّ بأن النبي من قريش وأن العرب لا تُسلِّم إلّا لقريش ، فلو كانت الصلاة هذه نصّاً في الخلافة ، لكان أوّل من تمسّك بها.
إن النبي صلّى الله عليه وآله قد لعن من تخلّف عن جيش أسامة [ راجع : الملل والنحل /ج 1 / ص 23 ] ، فكيف يأمر أبا بكر بأن يصلّي بالناس مع أنّه قد أمره وأمرهم معه بالإلتحاق بجيش أسامة ، وقد عصوا أمره ؟!
وفي أحاديثنا ورد إن أبا بكر عزل مرّتين : مرّة عن الصلاة بالناس ، ومرة أخرى عن أمر مرتبط بإمامة المسلمين ، وذلك حين تبليغ سورة براءة.
وهذا يدلُّ على عدم صلاحيّته لكلا الأمرين . . بنصّ من رسول الله صلّى الله عليه وآله.
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 

أضف تعليق

أبو بكر

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية

ستة + أربعة =