أبو ذرّ والتشيّع

البريد الإلكتروني طباعة

أبو ذَرّ وَالتّشيُّع

من هذا المنطلق الواضح ، يمكننا القول بأن التشيع ليس مذهبا طارئا على الاسلام ، أو فكرة دخيلة عليه ، بل هو من صميم الاسلام ، وأصل من أصوله . نشأ في عهد النبي الأعظم ، وبايعاز منه صلوات الله عليه. فهو الذي بذر هذه البذرة المباركة وتعاهدها بنفسه.

والمهم لدينا الآن ، هو الوصول الى ما نريده من هذه الحقيقة ، الهامة ، وهو التحدث عن تشيع أبي ذر الصحابي العظيم (رض). وغيره من الصحابة .. وما علينا في هذا الحال إلا أن نسرد بعض النصوص التأريخية المتضمنة لذلك.

قال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني :

إن لفظ الشيعة على عهد رسول الله (ص) كان لقب أربعة من الصحابة .. سلمان الفارسي ، وابي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وعمار بن ياسر (1) .. وقال الشيخ المفيد رحمه الله ، في بيان إمامة أمير المؤمنين علي (ع).

فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت شيعته ، وهم : بنو هاشم كافة ، وسلمان ، وعمار ، وأبو ذر (2) .. الخ.

وقال اليعقوبي ، حول الموضوع ذاته :

وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب. منهم : العباس بن عبد المطلب ، الى ان قال : وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر (3) .. الخ ما ذكره.

وقال الكشي عنه : وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، ووصي رسول الله واستخلافه إياه (4) ..

وجاء في سيرة الأئمة الإثني عشر ، حول الموضوع ذاته :

« واحتج عليهم سلمان الفارسي ، وأبو ذر ، وعمار ، والمقداد ، وغيرهم من وجوه الصحابة (5) ..

وجاء في كتاب أصل الشيعة وأصولها ، في ذكر طبقات الشيعة :

الطبقة الأولى : وهم أعيان الصحابة ، وابرارهم ، كسلمان المحمدي ـ أو الفارسي ـ وأبي ذر ، والمقداد وعمار ، وخزيمة ذي الشهادتين ، وابن التيهان ، وحذيفة بن اليمان ، والزبير ، والفضل بن العباس ، وأخيه الحبر عبد الله ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وابي ايوب الأنصاري ، وأبان وأخيه خالد ـ ابني سعيد العاص ، الأمويين ـ وأبي بن كعب سيد القراء. وانس بن الحرث بن نبيه ، الذي سمع النبي (ص) يقول : ان ابني الحسين ( عليه السلام ) يقتل في أرض يقال لها : كربلاء فمن شهد ذلك منكم ، فلينصره.

فخرج أنس ، وقتل مع الحسين عليه السلام ( راجع الإصابة والاستيعاب ).

ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى : ولو أردت أن أعد عليك الشيعة من الصحابة ، واثبات تشيعهم من كتب السنة ، لأحوجني ذلك الى إفراد كتاب ضخم (6).

الى غير ذلك من النصوص والأخبار ، التي تصرح بتشيع أبي ذر (رض) وغيره من الصحابة لعلي (ع) وآل البيت الطاهر تشيعاً ليس عاطفياً يقتصر على حبهم فحسب ، بل تشيعاً مبدئياً ، ينادي بأحقية علي عليه السلام في الخلافة بعد رسول الله (ص) بلا فصل. استنادا الى ما سمعه هو ، وبقية الصحابة منه (ص) في ذلك ، كحديث الغدير المتقدم وأمثاله.

فقد كان أبو ذر رضي الله عنه ، ممن ثبت على هذا المبدأ ، فنافح عنه ، ودافع على أكثر من جبهة ، وفي عدة مواطن ، ودعا المسلمين اليه بكل جرأة وصراحة ، حتى آخر لحظة من حياته . ففي مكة ، كان لسانه يلهج بذلك ، وفي المدينة ، كما في الشام ، وحتى في منفاه الأخير في الربذة ، لم يتوان ، ولم يتلكأ في تأدية الأمانة.

وفي مكة المكرمة ، وحول البيت العتيق ، مهوى قلوب الملايين من المسلمين ومركز تجمعهم في كل عام ، كان أبو ذر يغتنم الفرصة ، فيدعو المسلمين ، ليحدثهم بما سمع عن رسول الله (ص) في حق أهل البيت بصورة عامة ، وعلي عليه السلام بصورة خاصة.

فمن ذلك ، ما رواه الجويني بسنده ، عن عباية بن ربعي ، قال :

بينما عبد الله بن عباس ، جالس على شفير زمزم ( يقول : قال رسول الله صلی الله عليه وسلم ، اذ أقبل رجل متعمم بعمامة. ) فجعل ابن عباس لا يقول ، قال رسول الله صلی الله عليه وسلم ، إلا قال الرجل : قال رسول الله صلی الله عليه وسلم.

فقال ابن عباس : سألتك بالله ، من أنت ؟

قال : فكشف العمامة عن وجهه ، وقال : يا أيها الناس من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا جندب ابن جنادة البدري ، أبو ذر الغفاري ، سمعت النبي صلی الله عليه وسلم بهاتين ، وإلا فصمَّتا ، ورأيته بهاتين ، وإلا فعميتا.

يقول : علي قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.

أما اني صليت مع رسول الله صلی الله عليه وسلم يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده الى السماء وقال : ( اللهم ) إشهد اني سألت في مسجد رسول الله صلی الله عليه وسلم فلم يعطني أحد شيئا ، وعلي عليه السلام كان راكعا ، فأومأ بخنصره اليمنى ـ وكان يتختم فيها ـ فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين رسول الله صلی الله عليه وسلم ، فلما فرغ النبي صلی الله عليه وسلم من صلاته ، رفع رأسه الى السماء ، وقال :

اللهم إن أخي موسى سألك فقال : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (7) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ) (8) اللهم ، وأنا محمد نبيك وصفيك ، اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي ، علياً أخي ، أشدد به ظهري. (9)

قال أبو ذر : فوالله ، ما استتم رسول الله صلی الله عليه وسلم الكلمة ، حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله ، فقال :

يا محمد إقرأ ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (10).

وروى الجويني أيضا بسنده الى الحافظ ابي بكر ، بسنده عن كديرة الهجري.

قال : إن أبا ذر أسند ظهره الى الكعبة ، فقال :

أيها الناس ، هلموا أحدثكم عن نبيكم صلی الله عليه وسلم. سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي ثلاثاً. لئن يكون قال لي واحدة منهن ، أحب الي من الدنيا وما فيها.

سمعت رسول الله يقول لعلي (ع) : اللهم أعنه واستعن به ، اللهم انصره وانتصر به ، فانه عبدك وأخو رسولك (11).

وفي المستدرك ، عن حنش الكناني ، أنه قال :

سمعت أبا ذر يقول ـ وهو آخذ بباب الكعبة ـ : أيها الناس ، من عرفني ، فأنا من عرفتم ، ومن أنكرني ، فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله يقول :

ألا إن مثل أهل بيتي فيكم ، مثل سفينة نوح من قومه ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق (12).

وفي المدينة ، عاصمة العالم الاسلامي ، ومقر الخلافة ، كان رضي الله عنه يقوم بنفس الدور ، على الرغم من المراقبة الشديدة المفروضة من قبل الأمويين ودعاتهم في ذلك الوقت.

قال اليعقوبي في تأريخه :

« وبلغ عثمان أن أباذر ، يقعد في مسجد رسول الله (ص) ويجتمع اليه الناس ، فيحدث بما فيه الطعن عليه ، وأنه وقف بباب المسجد ، فقال :

أيها الناس ، من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا أبو ذر الغفاري ، جندب بن جنادة الربذي : إن الله إصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم ، وآل عمران على العالمين. ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم. محمد الصفوة من نوح ، فالأول من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم واستحقوا الفضل في قوم ( قومهم ) هم فينا كالسماء المرفوعة ، وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ( أو كالشجرة الزيتونة ) أضاء زيتها ، وبورك زبدها. ومحمد وارث علم آدم ، وما فضل به النبيون ، وعلي بن أبي طالب وصي محمد ووارث علمه.

أيتها الأمة المتحيرة ، أما لو قدمتم من قدَّم الله ، وأخرتم من أخَّر الله وأقررتم الوالية والوراثة في أهل بيت نبيكم ، لأكلتم من فوق رؤوسكم ، ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف إثنان في حكم الله ، إلا وجدتم علم ذلك عندهم ، من كتاب الله وسنة نبيِّه ، فأما اذا فعلتم ما فعلتم ، فذوقوا وبال أمركم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (13) ..

وفي الشام ، كان أبو ذر يسلك نفس المسلك مع من يجتمع اليه من الناس ويحدثهم بمثل ذلك.

قال اليعقوبي : وكان يجلس في المسجد ـ يعني في الشام ـ فيقول كما كان يقول ( في المدينة ) ويجتمع اليه الناس ، حتى كثر من يجتمع اليه ، ويسمع منه (14).

وحتى في الربذة ، منفاه الموحش المقفر ، لم تصرفه آلامه وهمومه ، ولا ما هو فيه من الاغتراب عن مواطن الايمان والجهاد ، والأصحاب الأخلاء.

لم يصرفه ذلك ولم يشغله عن اكمال مسيرته التي بدأت خطاها في عهد النبي (ص) فظل متمسكا بمبدأه هذا ، منادياً به حين تمكنه الفرصة من ذلك ، فرصة اللقاء بمن يستمع اليه ، ويأخذ منه.

في شرح النهج ، عن أبي رافع ، قال :

أتيت أبا ذر بالربذة ، أودعه. فلما أردت الانصراف ، قال لي ، ولأناس معي : ستكون فتنة ، فاتقوا الله ، وعليكم بالشيخ : علي بن ابي طالب ، فاتبعوه.

والحق أن موقف أبي ذر من مبدأ التشيع ، كان موقفاً مثالياً يجسم لنا كل معاني الثبات والصمود ، فما كان لتلين له عريكة فيه ، ولا لتميل له قناة ، لقد كان صلباً قوياً ، متفانياً في سبيل ذلك. وكأنه في موقفه هذا ، يفسر لنا بيعته لرسول الله (ص).

أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأن يقول الحق ولو كان مرا . !

عن معاوية بن ثعلبة الليثي قال :

مرض أبو ذر ، فأوصى الى علي ( عليه السلام ).

فقال بعض من يعوده : لو أوصيت الى أمير المؤمنين عثمان ، كان أجمل لوصيتك من علي.

قال : والله لقد أوصيت الى أمير المؤمنين ، حق أمير المؤمنين ! والله أنه للربيع الذي يسكن اليه ، ولو قد فارقكم. لقد انكرتم الناس وانكرتم الأرض.

قال : قلت : يا أبا ذر ، انا لنعلم أن أحبهم الى رسول الله صلى الله عليه وآله أحبهم اليك !

قال : أجل !

قلنا : فأيهم أحب اليك ؟

قال : هذا الشيخ المظلوم ، المضطهد حقه ! يعني علي بن أبي طالب 1.

الهوامش

1. الشيعة وفنون الاسلام / 31.

2. الارشاد / 10.

3. تاريخ اليعقوبي 2 / 124.

4. معجم رجال الحديث 4 / 168.

5. سيرة الأئمة 1 / 295.

6. أصل الشيعة وأصولها / 86.

7. مقتبس من آية 25 ـ 32 / طه.

8. من آية 35 / القصص.

9. وفي شواهد التنزيل : اشدد به أزري.

10. فرائد السمطين 1 / 191 / 192.

11. نفس المصدر ص 68.

12. المستدرك / 3 / 150 ـ 151.

13. تأريخ اليعقوبي 2 / 172.

14. أعيان الشيعة 16 / 332.

مقتبس من كتاب : أبو ذر الغفاري / الصفحة : 54 ـ 61

 

أضف تعليق

الصحابة ـ الأعلام ـ

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية