موقف أبي ذر من معاوية

البريد الإلكتروني طباعة

مَوقف أبي ذَرّ مِن مُعَاويَة

ففي الشام ، كان المجال لأبي ذر أوسع من أي بلد آخر . كما كانت نظرته الى معاوية ، تختلف عن نظرته الى عثمان.

فهو يعرف معاوية على حقيقته ، ويعرف إسلام معاوية واسلام أبيه من قبله ، لذلك كان صريحا في أقواله ، وخطبه ، ومواعظه ، وواضحا في دعوته ومنهجه ..

كان صريحا في موقفه الذي ربما تكتم منه بعض الشيء في المدينة ، فكان يركز على الانحراف السائد آنذاك ، واستئثار الولاة بالفيء ، وعدولهم عن جادة الحق ، واطفائهم للسنة ، واحيائهم للبدعة . الى غير ذلك ، مما يدعو الى اثارة الناس.

وبذلك فتح على عثمان جبهة جديدة ـ ربما لم تخطر على باله ـ استهدفته ومعاوية معاً.

« كان يقوم في كل يوم ، فيعظ الناس ، ويأمرهم بالتمسك بطاعة الله ، ويحذرهم من ارتكاب معاصيه ، ويروي عن رسول الله (ص) ما سمعه منه في فضائل أهل بيته عليه وعليهم السلام ويحضهم على التمسك بعترته. » (1)

وكان يقول : « أما بعد ، فانا كنا في جاهليتنا ، قبل أن ينزل علينا الكتاب ، ويبعث فينا الرسول ، ونحن نوفي بالعهد ، ونصدق الحديث ، ونحسن الجوار ، ونقري الضيف ، ونواسي الفقير . فلما بعث الله تعالى فينا رسول الله ، وأنزل علينا كتابه ، كانت تلك الاخلاق يرضاها الله ورسوله ، وكان أحقّ بها أهل الاسلام ، وأولى ان يحفظوها ، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا.

ثم ان الولاة ، قد أحدثوا أعمالا قِباحا لا نعرفها . من سنَّة تُطفى !

وبدعة تحيى ! وقائل بحق مكذَّب ، وأثرة لغير تقى ، وأمين ـ مُستأثر عليه ـ من الصالحين ... »

وكان يعيد هذا الكلام ويبديه ! (2)

وكان أبو ذر ، ينكر على معاوية ، أشياء يفعلها ، فبعث اليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار !

فقال أبو ذر لرسوله : إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا ، أقبلها ، وان كانت صلة ، فلا حاجة لي فيها. وردّها عليه (3).

وكان أبو ذر يقول بالشام : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ، ولا في سنة نبيه (ص) والله إني لأرى حقا يطفأ ، وباطلا يحيا ... الخ ..

ولم يكن أبو ذر ، غريبا عن الشام ـ أرض الجهاد ـ على حد تعبيره ، وعن معسكر المسلمين هناك ، فقد اشترك في غزوة الصائفة ( الروم ) كما شارك في فتح قبرص ، وكان أحد الصحابة البارزين في تلك المعارك ـ كما مر معنا.

فكان يحدث بأحاديثه تلك أمام العامة والخاصة ، كما كان يحدث بها أمام الجند ، مما دفع حبيب بن مسلمة الفهري ـ أحد القادة ـ الى تحذير معاوية من مغبَّة ذلك ، وهذا ما يؤكده قول إبن بطَّال ـ المتقدم ـ من أنه كان كثير المنازعة لمعاوية والاعتراض عليه ، وكان في جيشه مَيل له.

ولا يغرب عن بالنا ، أن معاوية ـ بالاضافة الى تكريس نفسه أميرا على الشام ـ كان يمني نفسه بالخلافة مع أول فرصة تلوح ، وكان يمهد لذلك أيام إمارته . لذا ، فانه يرى أن وجود أبي ذر وأمثاله من المبرزين ، ضمن دائرة سلطانه ، قد يحول دون استقامة هذا الامر له ، فكان أحرص على إبعاده عنه ، من ابعاد عثمان إياه عن المدينة . فكتب الى عثمان فيه :

« انك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر. » (4)

والواقع : أنه أفسدها على معاوية وعلى عثمان معاً ، لأنه كان يندد بأعمال الولاة ، وانجرافهم ، واستئثارهم بالفيء ، بحجة انه « مال الله » ، وكأن الله سبحانه قد أوكل بهذا المال ـ المال الذي أفاءه الله على المسلمين بفضل جهادهم ـ الى عثمان ، كي يبيح لمعاوية صرفه في سبيل غاياته الشخصية. وكي يعطيه لمروان بن الحكم ، وللحكم ابن ابي العاص ( طريد رسول الله ) ، ولأبي سفيان !! ولعبد الله بن سعد ! ومن هم على شاكلتهم ممن جرّوا الويلات على هذه الامة بتحكمهم في رقاب الناس ، وفي مقدراتهم.

يظهر ان عثمان ـ بعد ورود كتاب معاوية عليه ـ وجد مبرراً للانتقام من أبي ذر ، وتأديبه كما يشتهي ، فكتب الى معاوية :

« أما بعد ، فاحمل جندبا الي على أغلظ مركب وأوعره .. » (5)

الهوامش

1. الاعيان 16 / 355 ـ 356.

2. المصدر السابق.

3. شرح النهج 8 / 356.

4. اليعقوبي 2 / 172.

5. الغدير 8 / 293.

مقتبس من كتاب : أبو ذر الغفاري / الصفحة : 121 ـ 123

 

أضف تعليق

الصحابة ـ الأعلام ـ

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية

سبعة + سبعة =