مخالفات عثمان للشريعة في الأحكام

البريد الإلكتروني طباعة

مخالفاته للشريعة في الأحكام

1 ـ فمن المخالفات في الأحكام تعطيله الحدّ في عبيد الله بن عمر قاتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة وجفينة :

قال ابن سعد في الطبقات : بعد ذكره قتل عبيد الله بن عمر للهرمزان وابنة أبي لؤلؤة : « وأراد عبيد الله ألّا يترك سبياً بالمدينة يومئذ إلّا قتله ، فاجتمع المهاجرون الأولون فأعظموا ما صنع عبيد الله من قتل هؤلاء ، واشتدوا عليه وزجروه عن السبي فقال : والله لأقتلنّهم وغيرهم يعرّض ببعض المهاجرين (1) فلم يزل عمرو بن العاص يرفق به حتى دفع إليه سيفه ، فأتاه سعد فأخذ كلّ واحد منهما برأس صاحبه يتناصيان ـ أي يأخذ كلّ واحد بناصية الآخر ـ حتى حجز بينهما الناس ، فأقبل عثمان وذلك في الثلاثة الأيام الشورى قبل أن يبايع له حتى أخذ برأس عبيد الله بن عمر وأخذ عبيد الله برأسه ، ثمّ حُجز بينهما ... » (2).

وقال أيضاً عن أبي وجرة عن أبيه قال : « رأيت عبيد الله بن عمر يومئذ وإنه ليناصي عثمان وان عثمان ليقول : قاتلك الله قتلتَ رجلاً يصلي وصبيته صغيرة وآخر من ذمة رسول الله ( صلعم ) ما في الحقّ تركك.

قال : فعجبت لعثمان حين ولي كيف تركه ، ولكن عرفت أن عمرو بن العاص كان دخل في ذلك فلفته عن رأيه » (3).

وقال أيضاً عن محمود بن لبيد قال : « ما كان عبيد الله يومئذ إلّا كهيئة السبع الحَرب يعترض العجم بالسيف حتى حبس في السجن ، فكنت أحسب أن عثمان إن ولي سيقتله ، لما كنت أراه صنع به كان هو وسعد أشدّ أصحاب رسول الله ( صلعم ) عليه » (4).

وقال أيضاً عن عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب قال : « قال عليّ لعبيد الله ابن عمر ما كان ذنب بنت أبي لؤلؤة حتى قتلتها ، قال : فكان رأي عليّ حين استشاره عثمان ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله ، لكن عمرو بن العاص كلّم عثمان حتى تركه. فكان عليّ يقول : لو قدرتُ على عبيد الله بن عمر ولي سلطان لأقتصصت لله » (5).

وفي حديث له عن الزهري قال : « لمّا أستخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار فقال أشيروا عليّ في قتل هذا الّذي فتق في الدين ما فتق ؟ فأجمع رأي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة يشجّعون عثمان على قتله » (6).

وروى عبد الرزاق في المصنف في حديث له : « قال الزهري وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر قال : يرحم الله حفصة إن كانت لممن شجّع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة » (7).

وأخرج البيهقي في سننه حديثاً عن عبيد الله بن عبيد بن عمير جاء فيه : « فقيل لعمر إنّ عبيد الله قتل الهرمزان قال : ولم قتله ؟ قال انّه قتل أبي ... قال عمر ما أدري ما هذا ؟ انظروا إذا أنا متّ فأسألوا عبيد الله البينة على الهرمزان هو قتلني ؟ فإن أقام البيّنة فدمه بدمي ، وإن لم يقم البيّنة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان. فلمّا ولي عثمان قيل له : ألا تمضي وصية عمر في عبيد الله ؟ ... » (8).

وذكر اليعقوبي : انّه أكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد الله بن عمر ، فصعد المنبر فخطب الناس ثمّ قال : ألا إنّي ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر وتركته لدم عمر.

فقام المقداد بن عمرو فقال : إن الهرمزان مولى لله ولرسوله ، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله قال : فننظر وتنظرون. ثمّ أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة وأنزله داراً فنسب الموضع إليه ( كويفة بن عمر ) وروى غير واحد أبيات زياد بن لبيد البياضي وهو من الأنصار :

أبا عمروٍ عبيد الله رهن

 

فلا تشكك بقتل الهرمزان

فإنّك إن غفرت الجرم عنه

 

وأسباب الخطا فرسا رهان

أتعفو إذ عفوتَ بغير حقّ

 

فما لك بالذي تحكي يدان (9)

إلى آخر ما هنالك من ملابسات القضية ، وكلّ ما حيك لها من أعذار بعد ذلك لم ترفع عن عثمان إصر إهدار الدم كما لم تمحُ إصرار المسلمين على أخذ القصاص من عبيد الله نحو ما روى البلاذري في الأنساب : « عن المدائني عن غياث بن إبراهيم أن عثمان صعد المنبر فقال : أيها الناس إنا لم نكن خطباء وان نعش تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله ، وقد كان من قضاء الله أن عبيد الله ابن عمر أصاب الهرمزان ، وكان الهرمزان من المسلمين ولا وارث له إلّا المسلمون عامة ، وأنا أمامكم وقد عفوتُ أفتعفون ؟ قالوا : نعم فقال عليّ : أقد الفاسق فإنه أتى عظيماً ، قتل مسلماً بلا ذنب. وقال لعبيد الله يا فاسق لئن ظفرت بك يوماً لأقتلنك بالهرمزان » (10).

2 ـ مخالفة عثمان للحكم الشرعي في تعطيله الحد على الوليد :

وأعطف على موقف عثمان في تعطيله الحد على عبيد الله بن عمر تعطيله الحد على أخيه الوليد بن عتبة عامله على الكوفة لما شرب الخمر بالكوفة وقاءها في المحراب ، فخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر : أبو زينب وجندب بن زهير وأبو حبيبة الغفاري والصعب بن جثامة. فأخبروه خبره. فقال عبد الرحمن بن عوف : ما له أجُنّ ؟ قالوا : لا ولكنه سكر. فأوعدهم عثمان وتهددهم وقال لجندب : أنت رأيت أخي يشرب الخمر ؟ قال : معاذ الله ، ولكني أشهد أنّي رأيته سكران يقلسها من جوفه ، وأني أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل.

قال أبو إسحاق الهمداني : فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان ، وأنّ عثمان زبَرهم فنادت عائشة : إن عثمان أبطل الحدود وتوعّد الشهود (11) ، ويقال : أن عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها وقال : وما أنتِ وهذا ، إنما أمرتِ أن تقرّي في بيتك ، فقال قوم مثل قوله ، وقال آخرون : ومن أولى بذلك منها ، فاضطربوا بالنعال ، وكان ذلك أوّل قتال بين المسلمين بعد النبيّ صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم (12) ، وأستنكر المسلمون ذلك على عثمان. فقد أتاه عليّ بعد ما أتاه الشهود وشكوا إليه ضرب عثمان لبعضهم. فقال له : عطلت الحدود وضربت قوماً شهدوا على أخيك فقلبت الحكم ، وقد قال عمر : لا تحمل بني أمية وآل أبي معيط خاصة على رقاب الناس. قال : فما ترى ؟ قال : أرى أن تعزله ولا توليه شيئاً من أمور المسلمين وأن تسأل عن الشهود ، فإن لم يكونوا أهل ظنّة ولا عداوة أقمت على صاحبك الحدّ (13) ... إلى أخر ما هنالك.

3 ـ ومن أسباب السخط على عثمان في مخالفته فيما يتعلق بأمور الشريعة أيضاً إتمامه الصلاة بمنى :

قال الطبري في تاريخه آخر حوادث سنة 29 : وحج بالناس في هذه السنة عثمان ، فضرب بمنى فسطاطاً ، فكان أوّل فسطاط ضربه عثمان بمنى ، وأتم الصلاة بها وبعرفة.

فذكر الواقدي عن عمر بن صالح بن نافع عن صالح مولى التوءمة قال سمعت ابن عباس يقول : إن أوّل ما تكلم الناس في عثمان ظاهراً أنّه صلّى بالناس بمنى في ولايته ركعتين ، حتى إذا كانت السنة السادسة أتمها ، فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم ، وتكلّم في ذلك من يريد أن يكثّر عليه ، حتى جاءه عليّ فيمن جاءه ، فقال : والله ما حدث أمر ولا قدَم عهد ، ولقد عهدتَ نبيّك صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم يصلي ركعتين ، ثمّ أبا بكر ثمّ عمر ، وأنت صدراً من ولايتك ، فما أدري ما ترجع إليه ؟ فقال : رأيٌ رأيته.

قال الواقدي : وحدثني داود بن خالد عن عبد الملك بن عمرو بن أبي سفيان الثقفي عن عمه قال : صلّى عثمان بالناس بمنى أربعاً. فأتى آتِ عبد الرحمن بن عوف فقال : هل لك في أخيك ؟ قد صلّى بالناس أربعاً ، فصلّى عبد الرحمن بأصحابه ركعتين ، ثمّ خرج حتى دخل على عثمان فقال له : ألم تصلّ في هذا المكان مع رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم ركعتين ؟ قال : بلى. قال : أفلم تصل مع أبي بكر ركعتين ؟ قال : بلى ، قال : أفلم تصل مع عمر ركعتين ؟ قال : بلى قال : ألم تصل صدراً من خلافتك ركعتين ؟ قال : بلى ، قال فاسمع مني أبا محمّد إنّي أخبرت أن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس. قد قالوا في عامنا الماضي : ان الصلاة للمقيم ركعتان ، هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين ، وقد أتخذت بمكة أهلاً ، فرأيت أن أصلي أربعاً لخوف ما أخاف على الناس ، وأخرى قد أتخذت بها زوجة ، ولي بالطائف مال. فربّما أطلعته فأقمت فيه بعد الصَدرَ.

فقال عبد الرحمن بن عوف : ما من هذا شيء لك فيه عُذر. أمّا قولك : أتخذتَ أهلاً ، فزوجتك بالمدينة تخرج بها إذا شئت وتقدم بها إذا شئت ، إنّما تسكن بسكناك.

وأمّا قولك : ولي مال بالطائف ، فإن بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال ، وأنت لست من أهل الطائف. وأمّا قولك رجع من حج من أهل اليمن وغيرهم فيقولون : هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين وهو مقيم ، فقد كان رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم ينزل عليه الوحي والناس يومئذ الإسلام فيهم قليل ، ثمّ أبو بكر مثل ذلك ثمّ عمر ، فضرب الإسلام بجرانه فصلّى بهم عمر حتى مات ركعتين ، فقال عثمان : هذا رأي رأيته. قال : فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود فقال : أبا محمّد غيّر ما يُعلم قال : لا ، قال : فما أصنع ؟ قال : إعمل أنت بما تعمل فقال ابن مسعود : الخلاف شرّ ، قد بلغني أنّه صلّى أربعاً فصليت بأصحابي أربعاً.

فقال عبد الرحمن بن عوف : قد بلغني أنّه صلّى أربعاً ، فصليت بأصحابي ركعتين ، وأمّا الآن فسوف يكون الّذي تقول. يعني نصلي معه أربعاً (14).

ذكر البلاذري في حديث له عن ابن عمر قال : « صليت مع رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم بمنى ركعتين ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان صدراً من خلافته ، ثمّ أتمها أربعاً فتكلّم الناس في ذلك فأكثروا ، وسئل أن يرجع عن ذلك فلم يرجع » (15).

وأخيراً سأل حميد الضمري ابن عباس فقال : إنّي أسافر فأقصّر الصلاة في السفر أم أتمها ؟ فقال ابن عباس : لست تقصرها ولكن تتمها وسنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم آمناً لا يخاف إلّا الله فصلّى اثنتين حتى رجع. ثمّ خرج أبو بكر لا يخاف إلّا الله فصلّى ركعتين حتى رجع ، ثمّ خرج عمر آمناً لا يخاف إلّا الله فصلّى اثنتين حتى رجع ، ثمّ فعل ذلك عثمان ثلثي إمارته أو شطرها ثمّ صلاها أربعاً ، ثمّ أخذ بها بنو أمية (16).

وقول ابن عباس : « لست تقصرها ولكن تتمها » استفسار منه لتسمية السائل الصلاة في السفر بالقصر ، بينما التمام الآن الفريضة في السفر أن يصلي ركعتين ركعتين فهي التمام.

4 ـ ومن مخالفته للشريعة استحداثه الأذان الثالث بعد الأذان والإقامة :

أخرج البخاري في صحيحه باب الأذان في يوم الجمعة عن السائب بن يزيد أنّ الّذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان ... وأيضاً في باب التأذين عند الخطبة بسنده عن السائب بن يزيد قال : « أنّ الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلمّا كان في خلافة عثمان رضي الله عنه وكثروا ، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث ، فأذن به على الزوراء ، فثبت الأمر على ذلك » (17) ، وهذا أخرجه أصحاب السنن الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم.

5 ـ ومن مخالفته للشريعة أخذ الزكاة من الخيل ولم يوجبها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا من بعده لكن عثمان أوجبها على الناس فنقموا ذلك عليه :

روى البلاذري بسنده عن الزهري ان عثمان كان يأخذ من الخيل الزكاة ، فأنكر ذلك من فعله الصحابة ومنهم ابن عباس فقد روى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق وليس فيما دون المائتين زكاة » (18).

6 ـ ومن مخالفته للشريعة في مسائل الصلاة تقديمه الخطبة على الصلاة في العيدين :

وهو أوّل من فعل ذلك وقد عدّه السيوطي والسكتواري من أولياته في كتابيهما في الأوائل. وجاء في نيل الأوطار للشوكاني عن أبي غسان قال : « أوّل من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان ، ويبدو ممّا ذكره ابن حجر في فتح الباري انّه كان أولاً يصلي ثمّ يخطب ، ثمّ غيّر ذلك بعد فعيب عليه » (19).

قال ابن حجر في فتح الباري : « روى ابن المنذر عن عثمان بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال : أوّل من خطب قبل الصلاة عثمان صلّى بالناس ثمّ خطبهم ، فرأى أناساً لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك ، أي صار يخطب قبل الناس وهذه العلة غير الّتي أعتل بها مروان ، لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ، وأمّا مروان فراعى مصلحتهم في اسماعهم الخطبة ، لكن قيل : إنّهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سبّ ما لا يستحق السبّ ، والافراط في مدح بعض الناس. فعلى هذا إنّما راعى مصلحة نفسه ، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحياناً بخلاف مروان فواظب عليه ... اهـ » (20).

ولا يخفى تصوير التعذير من علماء التبرير ، وحسبنا في إنكار ذلك بقول ابن عباس : وقد أخرجه البخاري باب الخطبة بعد العيد عن ابن عباس قال : « شهدت العيد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة » (21).

وفي كتاب الزكاة باب العرض في الزكاة عن ابن عباس قال : « أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلي قبل الخطبة » (22).

7 ـ ومن مخالفته للشريعة في مسائل الحج نهيه عن متعة الحج :

أخرج أحمد في مسنده بإسناده عن عبد الله بن الزبير قال : « والله إنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة ، ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن سلمة الفهري إذ قال عثمان وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج ، إنّ أتمّ للحج والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحج ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فإنّ الله تعالى قد وسّع في الخير. وعليّ بن أبي طالب في بطن الوادي يعلف بعيراً له ، قال : فبلغه الّذي قال عثمان ، فأقبل حتى وقف على عثمان فقال : أعمدت إلى سنّة سنّها رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم ، ورخصة رخّص الله تعالى بها للعباد وفي كتابه تضيّق عليهم فيها وتنهى عنها. وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار ؟ ثمّ أهّل بحجة وعمرة معاً » (23).

وأخرج أحمد أيضاً الحديث بأخصر ممّا مرّ عن مروان بن الحكم وفيه : « كنّا نسير مع عثمان فإذا رجل يلبّي بهما جميعاً فقال عثمان من هذا ؟ فقالوا : عليّ. فقال : ألم تعلم أنّي قد نهيت عن هذا ؟ قال : بلى ، ولكن لم أكن لأدع قول رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم لقولك » (24).

وفي حديث ثالث لأحمد عن عبد الله بن شقيق : « كان عثمان ينهي عن المتعة وعليّ يأمر بها فقال عثمان لعليّ : أنّك كذا وكذا (؟) » (25).

وفي حديث لأحمد عن سعيد بن المسيب قال : « اجتمع عليّ وعثمان بعُسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال عليّ : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم تنهى عنها فقال عثمان : دعنا منك » (26).

8 ـ ومن مخالفته للشريعة في مسائل الحج أيضاً :

أخرج أحمد في مسنده : « انّ عثمان نزل قُديداً فأتي بالحَجَل في الجفان شائلة بأرجلها ، فأرسل إلى عليّ وهو يضفز (27) بعيراً له فجاء والخبط يتحاتّ من يديه ، فأمسك عليّ وأمسك الناس فقال عليّ : من هنا من أشجع ؟ هل تعلمون أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم جاءه أعرابي ببيضات نعام وتتمير (28) وحش فقال : أطعمهن أهلك فإنا حُرَم ؟ فقالوا بلى فتورّك عثمان عن سريره فقال : خبثت علينا » (29).

وفي حديث ذكره ابن حزم في المحلى عن سعيد بن منصور : « انّ عثمان ابن عفان كان يصاد له الوحش على المنازل ثمّ يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته ، ثمّ أن الزبير كلّمه فقال : ما أدري ما هذا يُصاد لنا ومن أجلنا » (30).

وأخرج عبد الرزاق في المصنف بسنده عن معمر وابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد قال : « سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل يقول : كنت مع عثمان بين مكة والمدينة ونحن محرمون ، فأصطيدت له ، فأمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل هو قال : أصطيدت أو أميتت بأسمي ، قال فقام عليّ فقيل لعثمان أنّه كره أكلها فأرسل إليه فقال عليّ ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ) (31) فقال له عمرو في فيك التراب فقال له عليّ بل في فيك التراب » (32).

أقول : هكذا روى عبد الرزاق ، وأحسب أنّ كلمة ( ولم يأكل هو ) إقحام لحفظ ماء الوجه ، كما أن كلمة عمرو أحسبها كذلك والصواب : عثمان ، فهو صاحب الأمر منه بدء المشادّة حين أرسل إلى عليّ ... ومرّ في حديث ابن حزم أنّه أكل من الصيد وهو محرم ... إلى غير ذلك من مخالفات الأحكام.

ومن مفارقات عثمان العجيبة الغريبة انّه سُمع وهو يخطب الناس فيقول : « أجتنبوا الخمر فإنّها أم الخبائث ـ ثمّ ضرب لهم مثلاً برجل عابد عشقته إمرأة فاحتالت عليه حتى أحضرته في بيتها ودعته إلى نفسها أو يشرب الخمر أو يقتل غلاماً كان عندها وإلّا فضحته فشرب الخمر فقتل الغلام ووقع على المرأة ـ ثمّ قال : فاجتنبوا الخمر ، فوالله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في قلب رجل إلّا أوشك أن يخرج صاحبه الّذي كان يشرب الخمر ».

فهو مع هذا التحذير الشديد للناس ، لم يردع تحذيره ابنه الوليد بن عثمان فكان ينادم الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو الّذي جاء إليه بابن سيحان حليف بني صرب فشربوا حتى أصاب الوليد بن عتبة خمار فقال لابن سيحان أشرب فأتي بأداوة فيها فضلة شراب فشربها ثمّ أنشده شعراً (33).

فهؤلاء ثلاثة كلّ اسمه الوليد شربوا الخمر أيام عثمان : ابنه الوليد ينادم ابن عمه الوليد بن عتبة ، أضف إليهم أخاه الوليد بن عقبة الّذي هو أخو عثمان لأمه ، وواليه على الكوفة فشرب الخمر وقاءها في المحراب ، بينما هو ينهى الناس ويحذرهم من شرب الخمر ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ) (34).

ومن المحزن أن نقرأ ما رواه مصعب الزبيري في نسب قريش (35) عن أبي الزنّاد ، والبلاذري في الأنساب بسنده عن محمّد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزنّاد عن أبيه : أنّ رجلاً كان آنس بعثمان ، وكان الرجل من ثقيف ، فحدّ في الشراب. فقال له عثمان لن تعود والله إلى مجلسي والخلوة معي (؟) ما لم يكن معنا ثالث (36).

فشرّيبو الخمر أحبابه ومن جلّاسه فبعد أيّ موعظة منه للناس تنفعهم ؟

وقد يفاجأ القارئ إذا ما قرأ عن الوليد بن عثمان : وكان صاحب شراب وفتوة. وقتل أبوه عثمان وهو مخلّق في حَجلَته (37).

وقال المسعودي : « وكان الوليد صاحب شراب وفتوة ومجون ، وقتل أبوه وهو مخلّق الوجه سكران عليه مصبّغات واسعة » (38).

الهوامش

1. وتعريضه هـذا يوجه أصابع الإتهام إلى اشتراك بعض المهاجرين في التآمر على قتل أبيه.

2. طبقات ابن سعد 5 / 8 ، وقارن المصنف لعبد الرزاق 5 / 479 ، وتاريخ الإسلام للذهبي 2 / 71 ط القدسي.

3. طبقات ابن سعد 5 / 9.

4. نفس المصدر.

5. نفس المصدر.

6. نفس المصدر.

7. المصنف لعبد الرزاق 5 / 480.

8. السنن الكبرى 8 / 61.

9. تاريخ اليعقوبي 2 / 141.

10. أنساب الأشراف 1 ق 4 / 510 تحـ احسان عباس.

11. نفس المصدر 1 ق 4 / 521.

12. أنساب الأشراف 1 ق 4 / 522 ، وقارن بالأغاني 5 / 119.

13. أنساب الأشراف 1 ق 4 / 522.

14. قارن تواريخ ابن الأثير 3 / 42 ط بولاق ، وابن كثير 7 / 154 ط السعادة ، وابن خلدون 2 / 386 ط مصر الأولى.

15. أنساب الأشراف 1 ق 4 / 527 تحـ إحسان عباس.

16. كنز العمال 4 / 240 ط الأولى و 8 / 154 ط الثانية بحيدر آباد.

17. صحيح البخاري 2 / 8 و 9 ط بولاق كتاب الجمعة.

18. أنساب الأشراف 1 ق 4 / 513 تحـ إحسان عباس ، ومجمع الزوائد 3 / 69 نقلا عن الطبراني في الصغير والأوسط.

19. نيل الأوطار 3 / 376.

20. فتح الباري 2 / 361.

21. صحيح البخاري 2 / 18.

22. نفس المصدر 2 / 116.

23. مسند أحمد 2 / 90 ح 707 تحـ أحمد محمّد شاكر.

24. نفس المصدر 2 / 102 ح 733.

25. نفس المصدر 2 / 102 ح 756.

26. نفس المصدر 2 / 266 ح 1146.

27. أي يعلفه الضفائز وهي اللقم الكبار ومن الضفيز وهو الشعير المجروش تعلفه الأبل ( راجع النهاية ضفز ) ، ووقع مصحفاً في مجمع الزوائد ( يصفن ) ، وفي تفسير الطبري ( يضفر ) والصواب ما قدمناه.

28. التتمير : اللحم المقطّع صغاراً وتتمير اللحم تقطيعه وتجفيفه.

29. مسند أحمد 2 / 139ح 814 ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 3 / 229 وقال : رواه أحمد وفيه عليّ بن زيد وفيه كلام وقد وثّق وبقية رجاله رجال الصحيح.

30. المحلى 7 / 254 محقق.

31. المائدة / 96.

32. المصنف لعبد الرزاق 4 / 434.

33. أنظر أنساب الأشراف 1 ق 4 / 613 تحـ إحسان عباس.

34. البقرة / 44.

35. نسب قريش / 102 ـ 103 ط دار المعارف.

36. أنساب الأشراف 1 ق 4 / 493.

37. المعارف لابن قتيبة / 208 ط دار الكتب سنة 1960.

38. مروج الذهب 2 / 341 ط الثالثة سنة 1377 هـ 1958 م ط السعادة تحـ محمّد محي الدين عبد الحميد.

مقتبس من كتاب : [ موسوعة عبدالله بن عبّاس ] / المجلّد : 2 / الصفحة : 159 ـ 171

 

أضف تعليق

عثمان بن عفان

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية