هل يمكن فرض وجود إله آخر وله خلق ولكن لا علم لنا بهم ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

سؤالي حول التوحيد الواحدي أيّ عدم وجود الشريك ، عندما يراد الاستدلال على التوحيد الواحدي بخلق السماوات والأرض والمخلوقات يأتني تساؤل في مخّيلتي إنّ هذا الاستدلال غير تامّ من حيث يمكن فرض وجود إله آخر وله خلق ولكن لا علم لنا بهم ، وإن هناك فاصل يفصل ما بين خلق الإلهين وقوانين كلّ مخلوقاتهما بغض النظر عمّن أحدث هذا الفاصل منهما ، ولذلك أقول : إنّ البداية من التوحيد الأحدي ، ثمّ منه إلى التوحيد الواحدي هو الاستدلال المحكم ، فما هو الرأي في ذلك ؟

الجواب :

أوّلاً : عدم وصول خبر الإله الآخر ومخلوقاته إلينا دليل على عجزه وعدم قدرته المطلقة حيث لم يتمكّن من تعريف نفسه لنا ولو بآياته وآثار خلقته ، كما أنّه لم يتمكّن أن يتصرّف في عالمنا ، فيكون محتاجاً إلى تعريف نفسه ، واللّه تعالى ـ أيّ واجب الوجوب بالذات ـ لابدّ أن يكون قادراً على الإطلاق وغنيّاً على الإطلاق.

ولعلّ إلى هذا المعنى أشار الحديث الشريف في الإستدلال على نفي الشريك للباري تعالى ، ففي وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام : « وَاعْلَمْ ، يا بُنَيَّ ، أَنَّهُ لَوْ كانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ ، وَ لَرَأَيْتَ اثارَ مُلْكِهِ وَسُلْطانِهِ ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعالَهُ وَصِفاتِهِ ، وَلكِنَّهُ إلهٌ واحِدٌ ، كَما وَصَفَ نَفْسَهُ ، لا يضادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ ، وَلا يَزُولُ أَبَداً ، وَلَمْ يَزَلْ ، أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْياءِ بِلا أوليَّةٍ وَاخِرٌ بَعْدَ الْأَشياءِ بِلا نِهايَةٍ ». [ نهج البلاغة / الصفحة : 340 / الناشر : بنياد نهج البلاغة ]

ثانياً : هذا الفاصل الذي بين خلق الإلهين مَن الذي خلقه ؟ وهل اتّفقا على وجوده ؟ أم أوجد نفسه ؟ أم كان مختار أحدهما دون الآخر ؟

ففي حديث الإمام الصادق عليه السلام : « ثمَّ يَلْزِمُكَ إنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ فَلابُدَّ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَهُما حَتّى يَكوُنَا اثْنَيْنِ فَصارَتِ الفُرْجَةُ ثالِثاً بَيْنَهما ، قَدِيماً مَعَهُما ، فَيَلْزِمُكَ ثَلاثَةً ، فَإنِ ادَّعَيْتَ ثَلاثَةً لَزِمَكَ ما قُلْنا في الاثْنَينِ حَتّى يَكوُنَ بَيْنَهُمْ فُرْجَتانِ فَيَكونَ خَمْساً ، ثُمّ يَتَناهى في العَددِ إلى ما لا نِهايَةَ في الكَثْرَةِ ». [ التوحيد / الصفحة : 224 / الناشر : منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة ]

ويمكن توضيحه بما ذكره المجلسي في البحار : « إنّه لو كان التعدّد موجوداً لكان امتياز أحد الإلهين عن الآخر بأمر خارج عن ذاتهما يحتاج إليه في الإمتياز فيكون الإلهان محتاجين إلى هذا المائز ، والاحتياج ليس من شأن الإله ، فإنّ كلّ محتاج ممكن ».

ثالثاً : بعد ثبوت امتناع وجود الإلهين بالأدّلة القطعيّة العقليّة لا معنى لفرض وجود إله آخر لا نعلم بحاله ولا بحال مخلوقاته.

قال اللّه تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [ الأنبياء : 22 ] ، وهذا إشارة إلى دليل التمانع حيث إنّ كلّ آله لو فرضنا مثل الآخر في القدرة والقوّة والعلم وجميع الصفات الكماليّة ، فمن المحتمل أن يريد أحدهما نقيض ما يريده الآخر فإمّا أن يقع ما أراداه ، وهو محال لاجتماع النقيضين أو لا يقع شيء منهما فهذا ارتفاع النقيضين أو يقع أحدهما دون الآخر ، فمَن وقع مراده هو الإله والثاني عاجز.

إن قلت : لعلّهما يتّفقان على أن لا يريد أحدهما ضدّ الآخر ، قلنا : احتمال ذلك كافٍ في حصول الاستحالة ، لأنّ احتمال اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما محال وهكذا احتمال عجز الإله محال.

قال اللّه تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللَّـهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [ المؤمنون : 91 ].

والأدّلة على توحيد اللّه تعالى ونفي الشريك كثيرة نذكرها بنحو الإجمال :

1 ـ برهان الارتباط والتدّبير :

كما يستفاد من حديث هِشامِ بنِ الحَكَمِ : قالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله عليه السلام : مَا الدَّليلُ عَلى أَنّ اللهَ واحِدٌ ؟ قال : اتِّصالُ التَّدْبيرِ وَتَمام الصُّنْعِ. [ التوحيد / الصفحة : 250 / الناشر : منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة ]

وعنه عليه السلام : فَلَمّا رَأَيْنا الخَلْقَ مُنْتَظِماً وَالفُلْكَ جارِياً واخْتِلافَ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَلَّ صِحَّةُ الأَمْرِ وَالتَّدْبِيرِ وَائْتِلافُ الأَمْرِ عَلى أَنَّ المُدَبِّر واحِدٌ. [ التوحيد / الصفحة : 244 / الناشر : منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة ]

2 ـ برهان عدم وجود الأثر للشريك الكاشف عن عدم المؤثّر :

« لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ». [ نهج البلاغة / الصفحة : 340 / الناشر : بنياد نهج البلاغة ]

3 ـ برهان السبر والتقسيم :

لأنّه لو قيل بالتعدّد فلا يخلو الأمر فيهما من أحد ثلاثة : إمّا أن يكونا قادرين على إقامة النظام أو غير قادرين أو متفاوتين ومختلفين فيها ؟ فإذا كانا قادرين كان أحدهما لغواً ، وإذا كانا عاجزين كان كلاهما عبثاً ، وإذا كان أحدهما قادراً والآخر عاجزاً ثبت إلوهيّة القادر ولم يكن يليق بها الآخر العاجز.

4 ـ برهان استلزام الشركه للإستحاله :

قال الصدوق : « أَنّهُما لَوْ كانا اثْنَيْنِ لَمْ يَخْلُ الأَمْرُ فيهما مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما قادراً عَلى مَنْعِ صاحِبهِ مِمّا يُريدُ أوْ غَيْرَ قادِر » ؟ [ التوحيد / الصفحة : 269 / الناشر : منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة ]

فإن كان قادراً كان الآخر ممنوعاً ، والممنوع حادث ، والحدوث ليس من صفات الإله ، وإن لم يكن قادراً لزم عجزه ونقصه ، والعجز أيضاً ليس من صفات الله ، فيستحيل الشريك على كلا التقديرين ، ويثبت أنّ الآله واحد لا شريك له وهو الإله القادر جلّت قدرته.

5 ـ برهان الدفع :

فإنّ وجوب الوجود لله تعالى الذي هو مسلّم ، يستلزم القدرة والقوّة الكاملة على جميع الأشياء بحيث يقدر على دفع جميع ما يضادّه ويقابله بنحو مطلق ، فإنّ عدم القدرة على هذا الدفع عجز ونقص ، والنقص عليه محال بالضرورة لوجوب وجوده ، وعليه فشريكه مندفع بالبداهة ، فيكون هو تعالى واحداً لا شريك له.

6 ـ دليل الكمال :

إنّ التفرّد بالصنع كمال للصانع والشركة مستلزمة لسلب هذا الكمال ، وسلب الكمال عن ذاته المقدّسة المستجمعة لجميع الصفات الكماليّة محال بالبداهة ، فلا يكون له شريك ، لأنّ الشريك يستلزم سلب الكمال وسلب الكمال باطل ، فوحدة الصانع هو الحقّ.

7 ـ دليل الاستغناء :

وذلك إنّ اللّه تعالى غني عمّا سواه ومستغن بذاته عن غيره ولا طريق للاحتياج إليه ، فيكون غنيّاً عن الشريك ومنزّهاً عن الحاجة والشركة ، مع أنّ الشركة بنفسها من الحاجة والفقر والنقص للاحتياج فيها إلى الإذن في التصرّف ، والغني أجلّ من الاحتياج وارفع من الاستيذان.

ومع هذه الأدّلة العقليّة كيف يمكن فرض وجود إله ولو في عالم آخر لا نعلم به ؟

 
 

أضف تعليق

التوحيد

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية