في عقائد الشيعة الإمامية

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج6 ، ص 243 ـ  276
________________________________________
(243)
الفصل العاشر
في عقائد الشيعة الإمامية

________________________________________
(244)
________________________________________
(245)
إنّ المناهج الكلامية الّتي فرّقت المسلمين إلى مذاهب حدثت في أواخر القرن الأوّل الهجري، واستمرّت في القرون التالية، نجمت عنها فرق اسلامية كالمرجئة، والجهمية، والمعتزلة، والحشوية، والأشعرية، والكرامية بفرقهم المتشعّبة، فأكثر الفرق الإسلامية أو جميعها نتاج البحث والمذاكرة بالاضافة إلى الإحتكاك الفكري بين المسلمين والاُمم الاُخرى الّتي حملت إليهم مسائل وموضوعات جديدة، فلا تجد لأكثرها أو جميعها تأريخاً متّصلا بزمن النبىّ الأكرم، ويقف على صدق ما ذكرنا من سبر أجزاء كتابنا هذا .
مثلا الخوارج ـ مضافاً إلى أنّها كانت فرقة سياسيّة نجمت عام 37 من الهجرة أثناء حرب صفين ـ تبدّلت إلى فرقة دينيّة في أواخر القرن الأوّل وأوائل القرن الثاني .
والمرجئة ظهرت على الأوساط الإسلاميّة عند اختلاف الناس في الخليفتين عثمان وعلي، ثمّ تطوّرت إلى معنى آخر وكانت حصيلة التطوّر هو تقديم الإيمان و تأخير العمل .
والجهمية نتيجة أفكار «جهم بن صفوان» المتوفّى سنة 128، والمعتزلة تستمد من واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري المتوفّى عام 130، وهكذا القدريّة
________________________________________
(246)
والكراميّة والظاهريّة والأشعريّة كلّها فرق نتجت عن البحث الكلامي وصقلها الجدل عبر القرون، فلا تجد لهذه الفرق سنداً متّصلا بالنبىّ الأكرم .
وأمّا عقائد الشيعة الإماميّة، فليست حصيلة الاحتكاك بالثقافات الأجنبيّة ولا ما أنتجبته البحوث الكلاميّة طوال القرون، وإنّما هي عقائد مأخوذة من الذكر الحكيم أوّلا، والسنّة النبويّة ثانياً، وخطب الامام علي وكلمات العترة الطاهرة المأخوذة من النبىّ الأكرم ثالثاً. فلأجل ذلك يحدّد تاريخ عقائدهم بتاريخ الإسلام وحياة أئمّتهم الطاهرين .
وهذا لا يعني أنّ الشيعة تتعبّد بالنصوص في اُوصلها من دون تحليل وتفكير، بل يعني أنّ اُصول العقائد الواردة في المصادر المذكورة، أخذها علماؤهم منها، وحرّروها بأوضح الوجوه، ودعموها بالبرهنة، نعم لا يعتمدون في مجال العقيدة على آحاد الروايات بل يشترط فيها أن تكون متواترة، أو محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم واليقين، إذ ليس المطلوب في باب الاعتقاد مجرّد العمل، بل المطلوب هو الاذعان والإيمان ولا يحصل بآحاد الروايات .
وهنا نكتة جديرة بالتنبية، وهي أنّ قوام التشيّع عبارة عن الاعتقاد بأنّ الإمام عليّاً منصوص عليه بالوصاية على لسان النبىّ الأكرم، وأنّه وعترته الطاهرة هم المرجع الوحيد بعد الذكر الحكيم. هذا هو العنصر المقوّم للتشيّع وأمّا سائر الاُصول فإنّها عقائد اسلامية لا تتّصل بالتشيّع دون غيرهم .
وها نحن نذكر قصاصات من عقائد الشيعة الامامية، الواردة في أحاديث أئمّتهم تارة، وكلمات علمائهم الأقدمين ثانياً، حتّى يقف القارئ على جذور تلك العقائد وأنّها مأخوذة عن أئمّتهم الطاهرين، وفي مقدّمتهم خطب الامام علي ـ عليه السلام ـ .
________________________________________
(247)
1- ما كتبه الامام الرضا ـ عليه السلام ـ للمأمون في محض الإسلام:
روى الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان قال: سأل المأمون علي بن موسى الرضا أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار، فكتب ـ عليه السلام ـ له: «إنّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً قيّوماً، سميعاً، بصيراً، قديراً، قديماً، قائماً، باقياً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنيّاً لا يحتاج، عدلا لا يجور، وانّه خالق كلّ شيء، ليس كمثله شيء، لا شبه له ولا ضدّ له ولا ندّ له ولا كفو له، وانّه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة.
وانّ محمّداً عبده و رسوله وأمينه وصفيّه وصفوته من خلقه، وسيّد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين، لا نبىّ بعده ولا تبديل لملّته ولا تغيير لشريعته، وانّ جميع ما جاء به محمّد بن عبداللّه هو الحقّ المبين، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل اللّه، وأنبيائه، وحججه، والتصديق بكتابه، الصادق العزيز الّذي (لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكيم حَميد))(1) وانّه المهيمن على الكتب كلّها، وانّه حقّ من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصّه وعامّه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه واخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله .
وانّ الدليل بعده والحجّة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين، والناطق عن القرآن، والعالم بأحكامه، أخوه وخليفته ووصيّه ووليّه، والّذي كان منه بمنزلة هارون من موسى: علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ أميرالمؤمنين، وإمام
________________________________________
1 . فصّلت / 42 .
________________________________________
(248)
المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وأفضل الوصيّين ووارث علم النبيّين والمرسلين، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة، ثمّ علي بن الحسين زين العابدين، ثمّ محمّد بن علي باقر علم النبيّين، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق وارث علم الوصيّين، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم، ثمّ علي بن موسى الرضا، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ الحجّة القائم المنتظر ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ .
أشهد لهم بالوصيّة والإمامة، وأنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه تعالى على خلقه في كلّ عصر وأوان، وانّهم العروة الوثقى، وأئمّة الهدى، والحجّة على أهل الدنيا، إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، وانّ كل من خالفهم ضال، مضل، باطل، تارك للحقّ والهدى، وانّهم المعبّرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بالبيان، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية، وانّ من دينهم الورع، والفقه، والصدق والصلاة والاستقامة والاجتهاد، واداء الأمانة إلى البر والفاجر، وطول السجود وصيام النهار وقيام الليل واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر، وحسن العزاء وكرم الصحبة(1) .
ثمّ ذكر الامام فروعاً شتّى من مختلف أبواب الفقه وأشار إلى بعض الفوارق بين مذهب أهل البيت وغيرهم لا يهمّنا في المقام ذكرها ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى المصدر .
* * *
2- عرض السيّد عبدالعظيم الحسني عقائده على الإمام الهادي:
روى الصدوق عن عبدالعظيم الحسني(2) قال: دخلت على سيدي علي بن
محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ فلمّأ بَصُرَبي، قال لي: «مرحباً بك يا أباالقاسم أنت وليّنا حقّا» قال: فقلت له: ياابن رسول اللّه إنّي اُريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيّاً ثبتّ عليه حتّى ألقى اللّه عزّوجلّ. فقال: «هاتها أبا القاسم» .
فقلت: إنّي أقول: إنّ اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج من الحدّين: حدّ الابطال، وحدّ التشبيه، وانّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور، وخالق الاعراض والجواهر، وربِّ كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وانّ محمّداً عبده
________________________________________
1 . عيون أخبار الرضا 2 / 121 ـ 122 .
2 . عبدالعظيم بن عبداللّه بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ من أصحاب الإمام الهادي، قال النجاشي: له كتاب خطب أميرالمؤمنين ورد الري هارباً من السلطان وسكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي، فكان يعبداللّه في ذلك السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله، فكان يخرج مستتراً، فيزور القبر المقابل قبره وبينهما الطريق ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ فلم يزل يأوى إلى ذلك السرب ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمّد ـ عليهم السلام ـ حتّى عرفه اكثرهم رجال النجاشي 2 / 65 ـ 66، ومات عبدالعظيم بالري وقبره مزار. يزوره الناس. وذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الهادي والعسكري تحت رقم 1 و 20. وذكره أيضاً عمدة الطالب 94 .
________________________________________
(249)
ورسوله خاتم النبيّين، فلا نبىّ بعده إلى يوم القيامة، وأقول: إنّ الامام والخليفة وولىّ الأمر بعده أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ أنت يا مولاي .
فقال ـ عليه السلام ـ : «ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟ قال: لأنّه لا يرى شخصه ولا يحل
________________________________________
(250)
ذكره باسمه حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا.
قال: فقلت: أقررت وأقول: إنّ وليّهم ولىّ اللّه، وعدوّهم عدوّ اللّه، وطاعتهم طاعة اللّه، ومعصيتهم معصية اللّه، وأقول: إنّ المعاد حقّ، والمساءلة في القبر حقّ، وانّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، والميزان حقّ، وانّ الساعة آتية لا ريب فيها وانّ اللّه يبعث من في القبور، وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال علي بن محمّد ـ عليه السلام ـ : يا أبا القاسم: «هذا واللّه دين اللّه الّذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة»(1).
وقد اكتفينا بهذين النصّين من الإمامين الطاهرين، أحدهما قولي، والآخر امضائي، وقد أخذوا عقائدهم عن آبائهم الطاهرين .
* * *
3- رسالة الصدوق «306 ـ 381» في عقائد الإمامية:
إنّ لمشايخنا الإمامية قصاصات في بيان عقائد الشيعة ومعارفهم، ونختار في المقام رسائل موجزة، من المتقدّمين :
صنّف الشيخ الصدوق (306 ـ 381) رسالة موجزة في عقائد الإمامية، قال: اعلم انّ اعتقادنا في التوحيد، أنّ اللّه تعالى واحد، أحد، ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، سميعاً بصيراً، عليماً حكيماً، حيّاً قيّوماً، عزيزاً قدّوساً، عالماً قادراً، غنيّاً، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ـ إلى أن قال: ـ وأنّه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه، خارج عن الحدّين، حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه،
________________________________________
1 . التوحيد: باب التوحيد والتشبيه 81 رقم الحديث 37 .
________________________________________
(251)
وأنّه تعالى شىء لا كالأشياء، أحد صمد لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفواً أحد، ولا ند ولا ضد، ولا شبه ولا صاحبة، ولا مثل ولا نظير ولا شريك له، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولا الأوهام وهو يدركها، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير، خالق كل شيء لا إله إلاّ هو، له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين .
ومن قال بالتشبيه فهو مشرك، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو باطل، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس... ثمّ إنّه قدّس اللّه سرّه ذكر الصفات الخبرية في الكتاب العزيز وفسّرها، وبيّن حدّاً خاصّاً لصفات الذات وصفات الأفعال، وما هو معتقد الإماميّة في أفعال العباد، وانّه بين الجبر والتفويض، كما ذكر عقائدهم في القضاء والقدر، والفطرة والاستطاعة إلى غير ذلك من المباحث الهامّة، الّتي تشكّل العمود الفقري للمعارف الإلهية. حتّى انّه قال:
اعتقادنا أنّ القرآن الّذي أنزله اللّه تعالى على نبيّه محمّد هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس 114 سورة، وعندنا أنّ الضحى والانشراح سورة واحدة، كما أنّ الإيلاف والفيل سورة واحدة. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب... إلى آخر الرسالة(1) .
ثمّ إنّ الشيخ المفيد (336 ـ 413) قد شرح تلك الرسالة بكتاب أسماه شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد ناقش فيها اُستاذه الصدوق في بعض المواضع التي
________________________________________
1 . لاحظ رسالة الصدوق في الاعتقادات، وقد طبعت غير مرّة، وعليها شروح وتعاليق العلماء منهم العلاّمة المجلسي .
________________________________________
(252)
استند فيها الصدوق على روايات غير جامعة للشرائط في باب العقائد(1) .
4ـ ما أملاه هو أيضاً على جماعة في المجلس الثالث والتسعون، وجاء فيه: واجتمع في هذا اليوم إلى الشيخ الفقيه أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أهل مجلسه والمشايخ، فسألوه أن يملي عليهم وصف دين الإماميّة على الإيجاز والاختصار، فقال: دين الإماميّة هو الإقرار بتوحيد اللّه تعالى ذكره ونفي التشبيه عنه، وتنزيهه عمّا لا يليق، والإقرار بأنبياء اللّه ورسله وحججه وملائكته وكتبه، والإقرار بأنّ محمّداً هو سيّد الأنبياء والمرسلين، وانّه أفضل منهم ومن جميع الملائكة المقرّبين، وأنّه خاتم النبيّين فلا نبىّ بعده... إلى آخر ما ذكر(2) .
* * *
5- جمل العلم والعمل للسيّد الشريف المرتضى «355 ـ 436»:
ألّف السيّد الشريف المرتضى رسالة موجزة في العقائد أسماها جمل العلم والعمل. وفيه عقائد الشيعة على وجه الإيجاز نذكر خصوص ما يرجع إلى التوحيد فعلى القارئ الكريم مطالعة نفس الرسالة ونقتطف ما يلي:
بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد:
الأجسام محدَثة لأنّها لم تسبق الحوادث، فلها حكمها في الحدوث، ولابدّلها من محدث، لحاجة كل محدَث في حدوثه إلى محدِث كالصناعة والكتابة.
ولابدّ من كونه (تعالى) قادراً لتعذّر الفعل على من لم يكن قادراً وتيسّره على
________________________________________
1 . طبع الكتاب مع كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد في تبريز عام 1371 .
2 . الأمالي للشيخ الصدوق ـ أملاه يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان سنة 368 ـ لاحظ 509 طبع بيروت .
________________________________________
(253)
من كان كذلك .
ولابدّ من كون محدثها عالماً لأنّ الإحكام ظاهر في كثير من العالم، والمحكم لا يقع إلاّ من عالم .
ولابدّ من كونه موجوداً، لأنّ له تعلّقاً من حيث كان قادراً عالماً، وهذا الضرب من التعلّق لا يصحّ إلاّ مع الوجود .
ويجب كونه قديماً، لانتهاء الحوادث إليه .
ويجب كونه حيّاً، وإلاّ لم يصحّ كونه قادراً، عالماً، فضلا عن وجوبه.
ويجب أن يكون مدرِكاً إذا وجدت المدرَكات، لاقتضاء كونه حيّاً.
ذلك، وواجب كونه سميعاً بصيراً، لأنّه ممّن يجب أن يدرك المدركات إذا وجدت، وهذه فائدة قولنا سميع بصير .
ومن صفاته ـ وإن كانتا عن علّة ـ كونه تعالى مريداً وكارهاً لأنّه تعالى، قد أمر وأخبر ونهى، ولا يكون الأمر والخبر، أمراً ولا خبراً إلاّ بالإرادة. والنهي لا يكون نهياً إلاّ بالكراهة .
ولا يجوز أن يستحق هاتين الصفتين لنفسه، لوجوب كونه مريداً، كارهاً للشيء الواحد، على الوجه الواحد .
ولا لعلّة قديمة، لما سنبطل به الصفات القديمة .
ولا لعلّة محدثة في غير حي لافتقار الإرادة إلى تنبيه. ولا لعلّة موجودة في حي، لوجوب رجوع حكمها إلى ذلك الحي. فلم يبق إلاّ أن توجد لا في محل .
ولا يجوز أن يكون له في نفسه صفة زائدة على ما ذكرناه لأنّه لا حكم لها معقول .
وإثبات ما لا حكم له معقول من الصفات، يفضي إلى الجهالات .
ويجب أن يكون قادراً فيما لم يزل، لأنّه لو تجدّد له ذلك لم يكن إلاّ لقدرة
________________________________________
(254)
محدثة، ولا يمكن اسناد احداثها إلاّ إليه، فيؤدّي إلى تعلّق كونه قادراً بكونه محدثاً، وكونه محدثاً بكونه قادراً. وثبوت كونه قادراً فيما لم يزل، يقتضي أن يكون فيما لم يزل حيّاً موجوداً.
ويجب أن يكون عالماً فيما لم يزل لأنّ تجدّد كونه عالماً، يقتضي أن يكون بحدوث علم، والعلم لا يقع إلاّ ممّن هو عالم .
ووجوب هذه الصفات، لم تدل على أنّها نفسيّة، وادّعاء وجوبها لمعان قديمة، تبطل صفات النفس. ولأنّ الاشتراك في القدم، يوجب التماثل والمشاركة في سائر الصفات. ولا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات لإسنادها إلى النفس .
ويجب كونه تعالى غنيّاً غير محتاج، لأنّ الحاجة تقتضي أن يكون ممّن ينتفع ويستضر وتؤدّي إلى كونه جسماً .
لا يجوز كونه تعالى (متّصفاً)(1) بصفة الجواهر والأجسام والاعراض لقدمه وحدوث هذه أجمع، ولأنّه فاعل الأجسام. والجسم يتعذّر عليه فعل الجسم.
ولا يجوز عليه تعالى الرؤية لأنّه كان يجب مع ارتفاع الموانع وصحّة أبصارنا أن تراه .
ولمثل ذلك يعلم أنّه لا يدرك بسائر الحواس .
ويجب أن يكون تعالى واحداً لا ثاني له في القدم، لأنّ إثبات ثان يؤدّي إلى إثبات ذاتين لاحكم لهما يزيد على حكم الذات الواحدة ويؤدّي أيضاً إلى تعذّر الفعل على القادر من غير جهة منع معقول. وإذا بطل قديم ثان بطل قول الثنوية
________________________________________
1 . أضفناها من عندنا لاقتضاء السياق .
________________________________________
(255)
والنصارى والمجوس... إلى آخرها(1) .
6- البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان للكراجكي «ت 449»:
كتب الإمام أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي الكراجكي الطرابلسي رسالة موجزة في عقائد الإمامية وأسماها «البيان عن جمل اعتقاد أهل الايمان» .
قال: سألت يا أخي أسعدك اللّه بألطافه، وأيّدك باحسانه واسعافه، أن اثبت لك جملا من اعتقادات الشيعة المؤمنين، وفصولا في المذهب يكون عليها بناء المسترشدين لتذاكر نفسك بها، وتجعلها عدّة لطالبها، وأنا أختصر لك القول واُجمله، واُقرّب الذكر واُسهّله وأورده على سنن الفتيا في المقالة، من غير حجّة ولا دلالة، وما توفيقي إلاّ باللّه .
في توحيده سبحانه:
إعلم أنّ الواجب على المكلّف: أن يعتقد حدوث العالم بأسره، وانّه لم يكن شيئاً قبل وجوده، ويعتقد أنّ اللّه تعالى هو محدِث جميعه، من أجسامه، واعراضه، إلاّ أفعال العباد الواقعة منهم، فانّهم محدثوها دونه سبحانه .
ويعتقد أنّ اللّه قديم وحده، لا قديم سواه، وأنّه موجود لم يزل، وباق لا يزال، وانّه شيء لا كالأشياء. لا شبيه الموجودات، ولا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات وانّ له صفات يستحقّها لنفسه لا لمعان غيره، وهي كونه حيّاً، عالماً،
________________________________________
1 . جمل العلم والعمل قسم العقائد، الطبعة الثانية تحقيق رشيد الصفار، طبعة النجف طالع الرسالة بأجمعها، نعم رأيه في اعجاز القرآن من القول بالصرف رأي شخصي له ولا يمثّل رأي جمهور الامامية وفيها وراء النصوص، آراء كلامية .
________________________________________
(256)
قديماً، باقياً، لا يجوز خروجه عن هذه الصفات إلى ضدّها، يعلم الكائنات قبل كونها، ولا يخفى عليه شيء منها .
في عدله سبحانه:
وانّ له صفات أفعال، لا يصحّ اضافتها إليه في الحقيقة، إلاّ بعد فعله، وهي ما وصف به نفسه من أنّه خالق، ورازق، ومعط، وراحم، ومالك، ومتكلّم، ونحو ذلك. وانّ له صفات مجازات وهي ما وصف به نفسه، من أنّه يريد، ويكره، ويرضى، ويغضب. فارادته لفعل هي الفعل المراد بعينه، وارادته لفعل غيره هي الأمر بذلك الفعل، وليس تسميتها بالارادة حقيقة، وانّما هو على مجاز اللغة، وغضبه هو وجود عقابه، ورضاه هو وجود ثوابه، وانّه لا يفتقر إلى مكان، ولا يدرك بشيء من الحواس .
وانّه منزّه من القبائح، لا يظلم الناس وإن كان قادراً على الظلم، لأنّه عالم بقبحه، غني عن فعله، قوله صدق، ووعده حق، لا يكلّف خلقه على ما لا يستطاع، ولا يحرمهم صلاحاً لهم فيه الانتفاع، ولا يأمر بما لا يريد، ولا ينهى عمّا يريد. وانّه خلق الخلق لمصلحتهم، وكلّفهم لأجل منازل منفعتهم، وأزاح في التكليف عللهم، وفعل أصلح الأشياء بهم. وأنّه أقدرهم قبل التكليف، وأوجد لهم العقل والتمييز .
وانّ القدرة تصلح أن يفعل بها وضده بدلا منه. وانّ الحق الّذي يجب معرفته، يدرك بشيئين، وهما العقل والسمع، وانّ التكليف العقلي لا ينفك عن التكليف السمعي. وانّ اللّه تعالى قد أوجد (للناس) في كل زمان مسمعاً (لهم) من أنبيائه، وحججه بينه وبين الخلق، ينبّههم على طريق الاستدلال في العقليات ويفقّههم على ما لا يعلمونه إلاّ به من السمعيات. وانّ جميع حجج اللّه تعالى محيطون
________________________________________
(257)
علماً بجميع ما يفتقر إليهم فيه العباد. وانّهم معصومون من الخطأ والزلل عصمة اختيار. وانّ اللّه فضّلهم على خلقه، وجعلهم خلفاءه القائمين بحقّه. وانّه أظهر على أيديهم المعجزات، تصديقاً لهم فيما ادّعوه من الأنباء والاخبار. وانّهم ـ مع ذلك ـ بأجمعهم عباد مخلوقون، بشر مكلّفون، يأكلون ويشربون، ويتناسلون، ويحيون بإحيائه، ويموتون بإماتته، تجوز عليهم الآلام المعترضات فمنهم من قتل، ومنهم من مات، لا يقدرون على خلق، ولا رزق، ولا يعلمون الغيب إلاّ ما أعلمهم إله الخلق. وانّ أقوالهم صدق، وجميع ما أتوا به حق .
في النبوة العامّة والخاصّة:
وانّ أفضل الأنبياء اُولوا العزم، وهم خمسة: نوح، وابراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وانّ محمّداً بن عبداللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أفضل الأنبياء أجمعين، وخير الأوّلين والآخرين. وانّه خاتم النبيين وانّ آباءه من آدم ـ عليه السلام ـ إلى عبداللّه بن عبدالمطلب ـ رضوان اللّه عليهم ـ كانوا جميعاً مؤمنين، وموحّدين للّه تعالى عارفين، وكذلك أبوطالب ـ رضوان اللّه عليه ـ .
ويعتقد أنّ اللّه سبحانه شرّف نبيّنا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بباهر الآيات، وقاهر المعجزات، فسبّح في كفّه الحصاء، ونبع من بين أصابعه الماء، وغير ذلك ممّا قد تضمّنته الأنباء، وأجمع على صحّته العلماء، وأتى بالقرآن المبين، الّذي بهر به السامعين، وعجز من الاتيان بمثله سائر الملحدين .
وانّ القرآن كلام ربّ العالمين، وأنّه محدث ليس بقديم. ويجب أن يعتقد أنّ جميع ما فيه من الآيات الّذي يتضمّن ظاهرها تشبيه اللّه تعالى بخلقه، وأنّه يجبرهم على طاعته أو معصيته، أو يضل بعضهم عن طريق هدايته، فإنّ ذلك كلّه لا يجوز حمله على ظاهرها، وانّ له تأويلا، يلائم ما تشهد به العقول ممّا قدّمنا ذكره في
________________________________________
(258)
صفات اللّه تعالى، وصفات أنبيائه .
فإن عرف المكلّف تأويل هذه الآيات فحسن، وإلاّ أجزأ أن يعتقد في الجملة أنّها متشابهات، وأنّ لها تأويلا ملائماً، يشهد بما تشهد به العقول والآيات المحكمات، وفي القرآن المحكم والمتشابه، والحقيقة والمجاز، والناسخ والمنسوخ والخاص والعام .
ويجب عليه أن يقر بملائكة اللّه أجمعين، وأنّ منهم جبرئيل وميكائيل، وأنّهما من الملائكة الكرام، كالأنبياء بين الأنام، وأنّ جبرئيل هو الروح الأمين، الّذي نزل بالقرآن على قلب محمّد خاتم النبيين، وهو الّذي كان يأتيه بالوحي من ربّ العالمين .
ويجب الاقرار بأنّ شريعة الإسلام التي أتى بها محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ناسخة لما خالفها من شرائع الأنبياء المتقدّمين .
وأنّه يجب التمسّك بها والعمل بما تضمّنته من فرائضها، وأنّ ذلك دين اللّه الثابت الباقي إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، لا حلال إلاّ ما أحلّت، ولا حرام إلاّ ما حرّمت، ولا فرض إلاّ ما فرضت، ولا عبادة إلاّ ما أوجبت.
وانّ من انصرف عن الاسم، وتمسّك بغيره، كافر ضال، مخلّد في النار، ولو بذل من الاجتهاد في العبادة غاية المستطاع .
وانّ من أظهر الاقرار بالشهادتين كان مسلماً، ومن صدّق بقلبه، ولم يشك في فرض أتى به محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان مؤمناً.
ومن الشرائط الواجبة للإيمان، العمل بالفرائض اللازمة، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن .
وقوله تعالى:
________________________________________
(259)
(إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإسْلام)(1) .
إنّما أراد به الإسلام الصحيح التام، الّذي يكون المسلم فيه عارفاً، مؤمناً، عالماً بالواجبات طائعاً .
في الإمامة والخلافة:
ويجب أن يعتقد أنّ حجج اللّه تعالى بعد رسوله الذين هم خلفاؤه، وحفظة شرعه، وأئمّة اُمّته، اثنا عشر أهل بيته، أوّلهم أخوه وابن عمّه، وصهره بعل فاطمة الزهراء ابنته، ووصيّه على اُمّته: علي بن ابي طالب أميرالمؤمنين، ثمّ الحسن بن علي الزكي، ثمّ الحسين بن علي الشهيد، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثمّ محمّد بن علي باقر العلوم، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم، ثمّ علي بن موسى الرضا، ثمّ محمّد بن علي التقي، ثمّ علي بن محمّد المنتجب، ثمّ الحسن بن علي الهادي، ثمّ الخلف الصالح بن الحسن المهدي ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ .
لا إمامة بعد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلاّ لهم ـ عليهم السلام ـ ولا يجوز الاقتداء في الدين إلاّ بهم، ولا أخذ معالم الدين إلاّ عنهم .
وأنّهم في كمال العلم والعصمة من الآثار نظير الأنبياء ـ عليهم السلام ـ .
وأنّهم أفضل الخلق بعد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
وأنّ إمامتهم منصوص عليها من قبل اللّه على اليقين والبيان .
وأنّه سبحانه أظهر على أيديهم الآيات، وأعلمهم كثيراً من الغائبات، والاُمور المستقبلات، ولم يعطهم من ذلك إلاّ ما قارن وجهاً يعلمه من اللطف
________________________________________
1 . آل عمران / 19 .
________________________________________
(260)
والصلاح.
وليسوا عارفين بجميع الضمائر والغائبات على الدوام، ولا يحيطون بالعلم بكل ما علمه اللّه تعالى .
والآيات الّتي تظهر على أيديهم هي فعل اللّه دونهم، أكرمهم بها، ولا صنع لهم فيها .
وأنّهم بشر محدثون، وعباد مصنوعون، لا يخلقون، ولا يرزقون، ويأكلون ويشربون، وتكون لهم الأزواج، وتنالهم الآلام والاعلال، ويستضامون، يخافون فيتقون، وأنّ منهم من قتل، ومنهم من قبض.
وأنّ إمام هذا الزمان هو المهدي ابن الحسن الهادي، وأنّه الحجّة على العالمين، وخاتم الأئمّة الطاهرين، لا إمامة لأحد بعد إمامته، ولا دولة بعد دولته، وأنّه غائب عن رعيته، غيبة اضطرار وخوف من أهل الضلال، وللمعلوم عند اللّه تعالى في ذلك الصلاح .
ويجوز أن يعرّف نفسه في زمن الغيبة لبعض الناس، وأنّ اللّه عزّوجلّ سيظهره وقت مشيئته، ويجعل له الأعوان والأصحاب، فيمهّد الدين به، (و) يطهّر الأرض على يديه، ويهلك أهل الضلال، ويقيم عمود الإسلام ويصير الدين كلّه للّه .
وأنّ اللّه عزّوجلّ يظهر على يديه عند ظهوره، الأعلام، وتأتيه المعجزات بخرق العادات، ويحيي له بعض الأموات، فإذا (أ) قام في الناس المدّة المعلومة عند اللّه سبحانه قبضه إليه، ثم لا يمتد بعده الزمان، ولا تتّصل الأيام حتّى تكون شرائط الساعة، واماتة من بقى من الناس، ثم يكون المعاد بعد ذلك .
ويعتقد أنّ أفضل الأئمّة ـ عليهم السلام ـ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، وأنّه لا يجوز أن يسمّى بأميرالمؤمنين أحد سواه .
وأنّ بقيّة الأئمّة ـ صلوات اللّه عليهم ـ، يقال لهم: الأئمة، والخلفاء،
________________________________________
(261)
والأوصياء، والحجج، وإن كانوا في الحقيقة اُمراء المؤمنين، فإنّهم لم يمنعوا من هذا الاسم لأجل معناه، لأنّه حاصل لهم على الاستحقاق، وإنّما منعوا من لفظه، حشمة لأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ .
وأنّ أفضل الأئمّة بعد أميرالمؤمنين، ولده الحسن، ثمّ الحسين، وأفضل الباقين بعد الحسين، إمام الزمان المهدي ـ صلوات اللّه عليه ـ ثمّ بقية الأئمّة بعده على ما جاء به الأثر وثبت في النظر .
وأنّ المهدي ـ عليه السلام ـ هو الّذي قال فيه رسول اللّه:
«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل اللّه تعالى ذلك اليوم، حتّى يظهر فيه رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي، يملأها عدلا، وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً»(1) .
فاسمه يواطئ اسم رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكنيته تواطئ كنيته، غير أنّ النهي قد ورد عن اللفظ، فلا يجوز أن يتجاوز في القول أنّه المهدي، والمنتظر، والقائم بالحق، والخلف الصالح، وإمام الزمان، وحجة اللّه على الخلق .
ويجب أن يعتقد أنّ اللّه فرض معرفة الأئمّة ـ عليهم السلام ـ بأجمعهم، وطاعتهم، وموالاتهم والاقتداء بهم، والبراءة من أعدائهم وظالميهم... وأنّه لا يتم الايمان إلاّ بموالاة أولياء اللّه، ومعاداة أعدائه، وأنّ أعداء الأئمّة ـ عليهم السلام ـ
________________________________________
1 . روى هذا الحديث وأمثاله ابن خلدون في المقدّمة في الفصل الثاني والخمسين عن الترمذي، وأبي داود باختلاف بعض ألفاظه، وروى حوالي اثنين وثلاثين حديثاً، وقال في ص 311 من المقدّمة:
«إنّ جماعة من الأئمّة خرّجوا أحاديث المهدي، منهم: الترمذي، وأبوداود، والبزار، وابن ماجة، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي، واسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي، وابن عباس، وابن عمر، وطلحة، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد الخدري، واُمّ حبيبة، واُمّ سلمة، وثوبان، وقرّة بن اياس، وعلي الهلالي» .
________________________________________
(262)
كفّار ملحدون في النار، وإن أظهروا الإسلام، فمن عرف اللّه ورسوله والأئمّة الاثني عشر وتولاّهم وتبرّأ من أعدائهم فهو مؤمن، ومن أنكرهم أو تولّى أعداءهم فهو ضال هالك لا ينفعه عمل ولا اجتهاد، ولا تقبل له طاعة ولا تصحّ له حسنات...(1) .
في التوبة والحشر والنشر:
ويعتقد أنّ اللّه يزيد وينقص إذا شاء في الأرزاق والآجال .
وأنّه لم يرزق العبد إلاّ ما كان حلالا طيّباً.
ويعتقد أنّ باب التوبة مفتوح لمن طلبها، وهي الندم على ما مضى من المعصية، والعزم على ترك المعاودة إلى مثلها .
وأنّ التوبة ماحية لما قبلها من المعصية الّتي تاب العبد منها .
وتجوز التوبة من زلّة، إذا كان التائب منها مقيماً على زلّة غيرها لا تشبهها، ويكون له الأجر على التوبة، وعليه وزر ما هو مقيم عليه من الزلّة .
وأنّ اللّه يقبل التوبة بفضله وكرمه، وليس ذلك لوجوب قبولها في العقل قبل الوعد، وانّما علم بالسمع دون غيره .
ويجب أن يعتقد أنّ اللّه سبحانه، يميت العباد ويحييهم بعد الممات ليوم المعاد .
وأنّ المحاسبة حق والقصاص، وكذلك الجنّة والنار والعقاب .
وأنّ مرتكبي المعاصي من العارفين باللّه ورسوله، والأئمّة الطاهرين، المعتقدين لتحريمها مع ارتكابها، المسوّفين التوبة منها، عصاة فسّاق، وأنّ ذلك
________________________________________
1 . مكان النقاط كلمات غير واضحة .
________________________________________
(263)
لا يسلبهم اسم الايمان كما لم يسلبهم اسم الاسلام(1) .
وأنّهم يستحقّون العقاب على معاصيهم، والثواب على معرفتهم باللّه تعالى، ورسوله، والأئمّة من بعده ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
وما بعد ذلك من طاعتهم، وأمرهم مردود إلى خالقهم، وإن عفا عنهم فبفضله ورحمته، وإن عاقبهم فبعدله وحكمته، قال اللّه سبحانه:
(وَ آخَرُون مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبَهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ)(2) .
وأنّ عقوبة هؤلاء العصاة إذا شاءها اللّه تعالى، لا تكون مؤبّدة، ولها آخِر، يكون بعده دخولهم الجنّة وليسوا من جملة من توجه إليهم الوعيد بالتخليد. والعفو من اللّه تعالى يرجى للعصاة المؤمنين .
وقد غلطت المعتزلة فسمّت من يرجو العفو مرجئاً، وانّما يجب أن يسمّى راجياً، ولا طريق إلى القطع على العفو، وانّما هو الرجاء فقط .
ويعتقد أنّ لرسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والأئمّة من بعده ـ عليهم السلام ـ شفاعة مقبولة يوم القيامة، ترجى للمؤمنين من مرتكبي الآثام .
ولا يجوز أن يقطع الإنسان على أنّه مشفوع فيه على كل حال، ولا سبيل له إلى العلم بحقيقة هذه الحال، وانّما يجب أن يكون المؤمن واقفاً بين الخوف والرجاء.
ويعتقد أنّ المؤمنين الذين مضوا من الدنيا وهم غير عاصين، يؤمر بهم يوم
________________________________________
1 . صرّح بهذا المفيد اُستاذ المؤلّف في كتابه أوائل المقالات ص 48 ونسبه إلى اتّفاق الإمامية، أمّا الخوارج فتسمّي مرتكب الكبيرة مشركاً وكافراً، والحسن البصري اُستاذ واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، سمّاهم منافقين، وأمّا واصل بن عطاء فوضعهم في منزلة بين منزلتين، وقال إنّهم فسّاق ليسوا بمؤمنين، ولا كفّار، ولا منافقين.
2 . التوبة / 106 .
________________________________________
(264)
القيامة إلى الجنّة بغير حساب.
وأنّ جميع الكفار والمشركين، ومن لم تصحّ له الاُصول من المؤمنين يؤمر بهم يوم القيامة إلى الجحيم بغير حساب، وانّما يحاسب من خلط عملا صالحاً وآخر سيّئاً، وهم العارفون العصاة .
وأنّ أنبياء اللّه تعالى وحججه ـ عليهم السلام ـ هم في القيامة المسؤولون للحساب باذن اللّه تعالى، وأنّ حجّة أهل كل زمان يتولّى أمر رعيته الذين كانوا في وقته.
وأنّ سيّدنا رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والأئمّة الاثنا عشر من بعده ـ عليهم السلام ـ هم أصحاب الأعراف وهم الذين لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم وعرفوه، ويدخل النار من أنكرهم وأنكروه .
وأنّ رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يحاسب أهل وقته وعصره، وكذلك كل إمام بعده .
وأنّ المهدي ـ عليه السلام ـ هو المواقف لأهل زمانه، والمسائل للذين في وقته .
وأنّ الموازين (الّتي) توضع في القيامة، هي اقامة العدل في الحساب، والانصاف في الحكم والمجازاة، وليست في الحقيقة موازين بكفات وخيوط كما يظن العوام .
وأنّ الصراط المستقيم في الدنيا دين محمّد وآل محمّد ـ عليه وعليهم السلام ـ، وهو في الآخرة طريق الجنان .
وأنّ الأطفال والمجانين والبله من الناس، يتفضّل عليهم في القيامة، بأن تكمل عقولهم، ويدخلون الجنان .
وأنّ نعيم أهل الجنّة متصل أبداً بغير نفاد، وأنّ عذاب المشركين والكفّار
________________________________________
(265)
متّصل في النار بغير نفاد .
ويجب أن يؤخذ معالم الدين في الغيبة من أدلّة العقل، وكتاب اللّه عزّوجلّ، والأخبار المتواترة عن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وعن الأئمّة ـ عليهم السلام ـ (1) وما أجمعت عليه الطائفة الإمامية، واجماعها حجّة .
فأمّا عند ظهور الإمام ـ عليه السلام ـ فإنّه المفزع عند المشكلات، وهو المنبّه على العقليات، والمعرّف بالسمعيات، كما كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
ولا يجوز استخراج الأحكام في السمعيات بقياس ولا اجتهاد(2) .
فأمّا العقليات فيدخلها القياس والاجتهاد، ويجب على العاقل مع هذا كلّه ألاّ يقنع بالتقليد في الاعتقاد وأن يسلك طر يق التأمل والاعتبار، ولا يكون نظره لنفسه في دينه أقل من نظره لنفسه في دنياه، فإنّه في اُمور الدنيا يحتاط ويحترز، ويفكّر ويتأمّل، ويعتبر بذهنه، ويستدل بعقله، فيجب أن يكون في أمر دينه على أضعاف هذه الحال، فالغرر في أمر الدين أعظم من الغرر في أمر الدنيا .
________________________________________
1 . ما ذكره هو رأي جماعة من علماء الإمامية، كالشريف المرتضى، وابن زهرة، وابن البراج، والطبرسي، وابن إدريس وغيرهم، فقد ذهب هؤلاء إلى عدم اعتبار الخبر الواحد إذا لم يكن مقطوع الصدور عن المعصوم وخصّوا اعتباره بما إذا كان قطعي الصدور، سواء أكان محتفّاً بقرينة عقلية أو نقلية اُخرى، فالمهم لدى هؤلاء في اعتبار الخبر أن يفضي إلى العلم، ولو كان ذلك لاجماع أو شاهد عقلي، بل صرّح المفيد في أوائل المقالات بأنّه لا يجب العمل بخبر الواحد .
أمّا المشهور بين الإمامية بل المجمع عليه بين المتأخّرين منهم فاعتبار الخبر الواحد لقيام الدليل على حجّيته، ولكل من الفريقين أدلّة على دعواه مذكورة في كتب الاُصول .
2 . المراد بالاجتهاد هنا ليس هو استنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيلية، وانّما المراد به الاعتماد على الرأي والاستحسان والقياس، من دون الرجوع إلى القواعد والاُصول الّتي ثبتت حجّيتها شرعاً .
________________________________________
(266)
فيجب أن لا يعتقد في العقليات إلاّ ما صحّ عنده حقّه، ولا يسلم في السمعيات إلاّ لمن ثبت له صدقه .
نسأل اللّه حسن التوفيق برحمته، وألاّ يحرمنا ثواب المجتهدين في طاعته.
قد اثبتُّ لك يا أخي ـ أيّدك اللّه ـ ما سألت، اقتصرت وما أطلت .
والّذي ذكرت أصل لما تركت، والحمدللّه وصلواته على سيّدنا محمّد وآله وسلّم(1) .
* * *
7- العقائد الجعفرية تأليف الشيخ الطوسي «385 ـ 460»:
الشيخ الطوسي، هو شيخ الطائفة على الاطلاق تلميذ المفيد والمرتضى وقد ورد بغداد عام 408 وحضر في أندية دروس اُستاذه المفيد، فلمّا لبّى الاُستاذ دعوة ربّه حضر لدى المرتضى إلى أن اشتغل بالتدريس والافتاء في عصره وبعده، وله رسائل وكتب كلامية مفعمة بالتحقيق، نأتي في المقام بموجز ما دوّنه في عقائد الشيعة في خمسين مسألة .
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدللّه ربّ العالمين .
والصلواة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وآله المعصومين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وجعل كل واحد منهم على الخلق بعد الرسول أميراً .
قال الإمام شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد الطوسي:
________________________________________
1 . أدرج المصنف الرسالة في كتابه القيم: كنز الفوائد لاحظ 240 - 252 .
________________________________________
(267)
«المسألة 1» معرفة اللّه واجبة على كل مكلّف، بدليل أنّه منعم، فيجب معرفته .
«المسألة 2» اللّه تعالى موجود، بدليل أنّه صنع العالم، وأعطاه الوجود، وكل من كان كذلك فهو موجود.
«المسألة 3» اللّه تعالى واجب الوجود لذاته، بمعنى أنّه لا يفتقر في وجوده إلى غيره، ولا يجوز عليه العدم، بدليل أنّه لوكان ممكناً لا فتقر إلى صانع، كافتقار هذا العالم، وذلك محال على المنعم المعبود.
«المسألة 4» اللّه تعالى قديم أزلي، بمعنى أنّ وجوده لم يسبقه العدم. باق أبدي، بمعنى أنّ وجوده لن يلحقه العدم .
«المسألة 5» اللّه تعالى قادر مختار، بمعنى أنّه إن شاء أن يفعل فعل، وإن شاء أن يترك ترك، بدليل أنّه صنع العالم في وقت دون آخر.
«المسألة 6» اللّه تعالى قادر على كل مقدور، وعالم بكل معلوم، بدليل أنّ نسبة جميع المقدورات والمعلومات إلى ذاته المقدّسة المنزّهة على السوية، فاختصاص قدرته تعالى وعلمه ببعض دون بعض ترجيح بلا مرجّح، وهو محال.
«المسألة 7» اللّه تعالى عالم، بمعنى أنّ الأشياء منكشفة واضحة له، حاضرة عنده غير غائبة عنه، بدليل أنّه تعالى فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكل من فعل ذلك فهو عالم بالضرورة .
«المسألة 8» اللّه تعالى يدرك لا بجارحة، بل معنى أنّه يعلم ما يدرك بالحواس، لأنّه منزّه عن الجسم ولوازمه، بدليل قول تعالى: (لا تُدْرِكُهُ)
________________________________________
(268)
الأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبيرُ))(1) فمعنى قوله تعالى: (إنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصير))(2) انّه عالم بالمسموعات لا باُذن، وبالمبصرات لابعين.
«المسألة 9» اللّه تعالى حي، بمعنى أنّه يصحّ منه أن يقدر ويعلم. بدليل أنّه ثبتت له القدرة والعلم وكل من ثبتت له ذلك فهو حي بالضرورة .
«المسألة 10» اللّه تعالى متكلّم لا بجارحة، بل معنى أنّه أوجد الكلام في جرم من الأجرام، أو جسم من الأجسام، لإيصال عظمته إلى الخلق، بدليل قوله تعالى: (وَكَلَّمَ اللّهُ موسى تَكْلِيماً)(3)ولأنّه قادر، فالكلام ممكن .
«المسألة 11» اللّه تعالى صادق، بمعنى انّه لا يقول إلاّ الحق الواقع، بدليل أنّ كل كذب قبيح، واللّه تعالى منزّه عن القبيح .
«المسألة 12» اللّه تعالى مريد، بمعنى أنّه رجّح الفعل إذا علم المصلحة (يعني أنّه غير مضطر وأنّ ارادته غير واقعة تحت ارادة اُخرى، بل هي الارادة العليا الّتي إن رأى صلاحاً فعل، وإن رأى فساداً لم يفعل، باختيار منه تعالى) بدليل أنّه ترك ايجاد بعض الموجودات في وقت دون وقت، مع علمه وقدرته ـ على كل حال ـ بالسوية. ولأنّه نهى وهو يدل على الكراهة .
«المسألة 13» انّه تعالى واحد، بمعنى انّه لا شريك له في الالوهية، بدليل قوله (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَد)(4) ولأنّه لو كان له شريك لوقع التمانع، ففسد النظام، كما قال: (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلاّ اللّهُ )لَفَسَدَتَا)(5) .
________________________________________
1 . الأنعام / 103 .
2 . الإسراء / 1، غافر / 56 .
3 . النساء / 164 .
4 . الإخلاص / 1 .
5 . الأنبياء / 22 .
________________________________________
(269)
«المسألة 14» اللّه تعالى غير مركّب من شيء، بدليل أنّه لو كان مركّباً لكان مفتقراً إلى الأجزاء، والمفتقر ممكن .
«المسألة 15» اللّه تعالى ليس بجسم، ولا عرض، ولا جوهر، بدليل أنّه لو كان أحد هذه الأشياء لكان ممكناً مفتقراً إلى صانع، وهو محال.
«المسألة 16» اللّه تعالى ليس بمرئي بحاسة البصر في الدنيا والآخرة، بدليل انّه تعالى مجرّد، ولأنّ كل مرئي لابد أن يكون له الجسم والجهة، واللّه تعالى منزّه عنهما ولأنّه تعالى قال: (لَنْ تَرَانِى)(1)وقال: (لا تُدْرِكُهُ الأَبصارُ)(2) .
«المسألة 17» اللّه تعالى ليس محلاّ للحوادث، وإلاّ لكان حادثاً، وحدوثه محال.
«المسألة 18» اللّه تعالى لا يتّصف بالحلول، بدليل أنّه يلزم قيام الواجب بالممكن وذلك محال .
«المسألة 19» اللّه تعالى لا يتّحد بغيره، لأنّ الاتّحاد صيرورة الشيء واحداً من غير زياده ونقصان، وذلك محال، واللّه لا يتّصف بالمحال .
«المسألة 20» اللّه تعالى منفي عنه المعاني والصفات الزائدة، بمعنى أنّه ليس عالماً بالعلم، ولا قادراً بالقدرة (بل علم كلّه، وقدرة كلّها)، بدليل أنّه لوكان كذلك لزم كونه محلاّ للحوادث لو كانت حادثة، وتعدّد القدماء لو كانت قديمة، وهما محالان، وأيضاً لزم افتقار الواجب إلى صفاته المغايرة له، فيصير ممكناً وهو ممتنع .
«المسألة 21» اللّه تعالى غني، بمعنى أنّه غير محتاج إلى ما عداه،
________________________________________
1 . الأعراف / 143 .
2 . الأنعام / 103 .
________________________________________
(270)
والدليل عليه أنّه واجب الوجود لذاته، فلا يكون مفتقراً .
«المسألة 22» اللّه تعالى ليس في جهة، ولا مكان، بدليل أنّ كل ما في الجهة والمكان مفتقر إليهما،وأيضاً قد ثبت أنّه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، فلا يكون في المكان والجهة .
«المسألة 23» اللّه تعالى ليس له ولد، ولا صاحبة، بدليل أنّه قد ثبت عدم افتقاره إلى غيره، ولأنّ كل ما سواه تعالى ممكن، فكيف يصير الممكن واجباً بالذات، ولقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ)(1) و (مَثَلَ عِيسى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَاب)(2) .
«المسألة 24» اللّه تعالى عدل حكيم، بمعنى أنّه لا يفعل قبيحاً ولا يخل بالواجب بدليل أنّ فعل القبيح قبيح، والاخلال بالواجب نقص عليه، فاللّه تعالى منزّه عن كل قبيح واخلال بالواجب .
«المسألة 25» الرضا بالقضاء والقدر واجب، وكل ما كان أو يكون فهو بالقضاء والقدر ولا يلزم بهما الجبر والظلم، لأنّ القدر والقضاء هاهنا بمعنى العلم والبيان، والمعنى أنّه تعالى يعلم كل ما هو (كائن أو يكون)(3) .
«المسألة 26» كل ما فعله اللّه تعالى فهو أصلح، وإلاّ لزم العبث، وليس تعالى بعابث، لقوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثَاً)(4) .
«المسألة 27» اللّطف على اللّه واجب، لأنّه خلق الخلق، وجعل فيهم الشهوة، فلو لم يفعل اللطف لزم الاغراء، وذلك قبيح، (واللّه لا يفعل القبيح)
________________________________________
1 . الشورى / 11 .
2 . آل عمران/ 59 .
3 . الاضافة منّا لإكمال العبارة .
4 . المؤمنون / 115 .
________________________________________
(271)
فاللطف هو نصب الأدلّة، واكمال العقل، وارسال الرسل في زمانهم، وبعد انقطاعهم ابقاء الإمام، لئلاّ ينقطع خيط غرضه .
«المسألة 28» نبيّنا «محمّد بن عبداللّه بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف» رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حقاً صدقاً. بدليل أنّه ادّعى النبوّة، وأظهر المعجزات على يده، فثبت أنّه رسول حقّاً، وأكبر المعجزات «القرآن الحميد» والفرقان المجيد الفارق بين الحق والباطل، باق إلى يوم القيامة، حجّة على كافّة النسمة .
ووجه كونه معجزاً: فرط فصاحته وبلاغته، بحيث ما تمكّن أحد من أهل الفصاحة والبلاغة حيث تحدّوا به، أن يأتوا ولو بسورة صغيرة، أو آية تامّة مثله.
«المسألة 29» كان نبيّنا نبياً على نفسه قبل البعثة، وبعده رسولا إلى كافّة النسمة لأنّه قال «كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين» وإلاّ لزم تفضيل المفضول، وهو قبيح .
«المسألة 30» جميع الأنبياء كانوامعصومين، مطهّرين عن العيوب والذنوب كلّها، وعن السهو والنسيان في الأفعال والأقوال، من أوّل الأعمار إلى اللحد، بدليل أنّهم لو فعلوا المعصية أو يطرأ عليهم السهو لسقط محلّهم من القلوب، فارتفع الوثوق والاعتماد على أقوالهم وأفعالهم، فتبطل فائدة النبوّة، فما ورد في الكتاب (القرآن) فيهم فهو واجب التأويل .
«المسألة 31» يجب أن يكون الأنبياء أعلم وأفضل أهل زمانهم، لأنّ تفضيل المفضول قبيح .
«المسألة 32» نبيّنا خاتم النبيين والمرسلين، بمعنى أنّه لانبي بعده إلى يوم القيامة، يقول تعالى: (ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِن رِجَالِكُمْ وَلَكِن رَسُول اللّهِ )
________________________________________
(272)
وخَاتَمَ النَّبِيِّينَ))(1) .
«المسألة 33» نبيّنا أشرف الأنبياء والمرسلين، لأنّه ثبتت نبوّته، وأخبر بأفضليته فهو أفضل، لمّا قال لفاطمة ـ عليها السلام ـ : «أبوك خير الأنبياء، وبعلك خير الأوصياء، وأنت سيدة نساء العالمين، وولدك الحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ سيّدا شباب أهل الجنّة، وأبوهما خير منهما»(2) .
«المسألة 34» معراج الرسول بالجسم العنصري علانية، غير منام، حق، والأخبار عليه بالتواتر ناطقة، صريحة، فمنكره خارج عن الإسلام وأنّه مر بالأفلاك من أبوابها من دون حاجة إلى الخرق والالتيام، وهذه الشبهة الواهية مدفوعة مسطورة بمحالها .
«المسألة 35» دين نبيّنا ناسخ للأديان السابقة، لأنّ المصالح تتبدل حسب الزمان والأشخاص كما تتبدّل المعاجلات لمريض بحسب تبدل المزاج والمرض .
«المسألة 36» الإمام بعد نبيّنا علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ بدليل قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «يا علي أنت أخي ووارث علمي وأنت الخليفة من بعدي، وأنت قاضي ديني، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لانبي بعدي»(3). وقوله: «سلّموا على علي بإمرة المؤمنين، واسمعوا له وأطيعوا له، وتَعَلّموا منه ولا تُعَلّموه»(4)، وقوله: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من
________________________________________
1 . الأحزاب / 40 .
2 . راجع ينابيع المودّة 434 ـ 436 .
3 . راجع صحيح مسلم 7 / 120 ـ 121، باب فضائل علي ـ عليه السلام ـ ، وصحيح البخاري 5 / 19 باب مناقب علي ـ عليه السلام ـ و 6/ 3 باب غزوة تبوك، ومسند أحمد 1 / 174 ـ 177 و 3 / 32، و 6 / 369 .
4 . راجع البحار 37 / 290 ـ 340 .
________________________________________
(273)
عاداه»(1) .
«المسألة 37» الأئمّة بعد علي ـ عليهم السلام ـ أحد عشر من ذرّيته، الأوّل منهم ولده الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ الخلف الحجّة القائم المهدي الهادي بن الحسن صاحب الزمان فكلّهم أئمّة الناس واحد بعد واحد، حقّاً، بدليل أنّ كل إمام منهم نصّ على من بعده نصّاً متواتراً بالخلافة، وقوله: «الحسين إمام، ابن إمام، أخو الامام، ابو الأئمّة التسعة، تاسعهم قائمهم، يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً» .
«المسألة 38» يجب أن يكون الأئمّة معصومين مطهّرين من الذنوب كلّها، صغيرة وكبيرة، عمداً وسهواً، ومن السهو في الأفعال والأقوال، بدليل أنّهم لو فعلوا المعصية لسقط محلهم من القلوب، وارتفع الوثوق، وكيف يهدون بالضالّين المضلّين، ولا معصوم غير الأئمّة الاثني عشر اجماعاً، فثبت إمامتهم .
«المسألة 39» يجب أن يكون الأئمّة أفضل وأعلم، ولو لم يكونوا كذلك للزم تفضيل المفضول، أو الترجيح بلا مرجح، ولا يحصل الانقياد به، وذلك قبيح عقلا ونقلا، وفضل أئمّتنا وعلمهم مشهور، بل أفضليتهم أظهر من الشمس وأبين من الأمس .
«المسألة 40» يجب أن نعتقد أنّ آباء نبيّنا وأئمّتنا مسلمون أبداً، بل أكثرهم كانوا أوصياء، فالأخبار عند أهل البيت على إسلام أبي طالب مقطوعة
________________________________________
1 . راجع مسند أحمد 1 / 84 ـ 152 و 4 / 281 و 370 و 372 و 5 / 366 ـ 419، سنن الترمذي 5 / 633 .
________________________________________
(274)
وسيرته أدلّة عليه، ومثله مؤمن آل فرعون .
«المسألة 41» الإمام المهدي المنتظر محمّد بن الحسن قد تولّد في زمان أبيه، وهو غائب حي باق إلى بقاء الدنيا، لأنّ كل زمان لابد فيه من إمام معصوم، لما انعقد عليه اجماع الاُمّة على أنّه لا يخلو زمان من حجّة ظاهرة مشهورة، أو خافية مستورة، ولأنّ اللطف في كل زمان واجب، والإمام لطف، فوجوده واجب .
«المسألة 42» لا استبعاد في طول عمره، لأنّ غيره من الاُمم السابقة قد عاش ثلاثة آلاف سنة فصاعداً، كشعيب ونوح ولقمان وخضر وعيسى ـ عليهم السلام ـ وابليس والدجّال، ولأنّ الأمر ممكن، واللّه قادر على جميع الممكنات .
«المسألة 43» غيبة المهدي لا تكون من قبل نفسه، لأنّه معصوم، فلا يخل بواجب، ولا من قبل اللّه تعالى، لأنّه عدل حكيم فلا يفعل القبيح، لأنّ الإخفاء عن الأنظار وحرمان العباد عن الافادات قبيحان. فغيبته لكثرة العدو والكافر، ولقلّة الناصر .
«المسألة 44» لابد من ظهور المهدي، بدليل قول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «لو لم يبق من الدنيا إلاّ ساعة واحدة لطوّل اللّه تلك الساعة حتّى يخرج رجل من ذرّيتي، اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(1). ويجب على كل مخلوق متابعته .
«المسألة 45» في غيبة الامام فائدة، كما تنير الشمس تحت السحاب، والمشكاة من وراء الحجاب .
________________________________________
1 . راجع سنن أبي داود 4 / 106 ـ 107، كنز العمال 14 / 264 ـ 267 .
________________________________________
(275)
«المسألة 46» يرجع نبيّنا وأئمّتنا المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من الاُمم السابقة واللاحقة، لاظهار دولتهم وحقهم، وبه قطعت المتواترات من الروايات والآيات لقوله تعالى: (وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ اُمَّة فَوْجاً)(1) فالاعتقاد به واجب .
«المسألة 47» إنّ اللّه يعيد الأجسام الفانية كما هي في الدنيا، ليوصل كل حق إلى المستحقين، وذلك أمر ممكن، والأنبياء أخبروا به، لا سيّما القرآن المجيد مشحون به ولا مجال للتأويل، فالاعتقاد بالمعاد الجسماني واجب .
«المسألة 48» كل ما أخبر به النبي أو الإمام فاعتقاده واجب، كاخبارهم عن نبوّة الأنبياء السابقين، والكتب المنزلة، ووجود الملائكة، وأحوال القبر وعذابه، وثوابه وسؤال منكر ونكير، والاحياء فيه، وأحوال القيامة وأهوالها، والنشور، والحساب والميزان، والصراط، وانطاق الجوارح، ووجود الجنّة والنار والحوض الّذي يسقي منه أميرالمؤمنين العطاشى يوم القيامة، وشفاعة النبي والأئمّة لأهل الكبائر من محبيه إلى غير ذلك، بدليل أنّه أخبر بذلك المعصومون .
«المسألة 49» التوبة ـ وهي الندم على القبيح في الماضي، والترك في الحال، والعزم على عدم المعاودة إليه في الاستقبال ـ واجبة، لدلالة السمع على وجوبها، ولأنّ دفع الضرر واجب عقلا .
«المسألة 50» الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجبان، بشرط تجويز التأثير والأمن من الضرر(2).
* * *
________________________________________
1 . النمل / 83. أصل الرجعة اجماعىّ والكيفية الواردة في المتن ليست كذلك .
2 . طبعت الرسالة مع جواهر الفقه للقاضي ابن البراج وفي ضمن الرسائل العشر للشيخ الطوسي ـ قدس سره ـ .
________________________________________
(276)
ماهو الهدف من نقل هذه الرسائل:
1- إنّ هذه الرسائل لدليل واضح على أنّ جلّ عقائد الشيعة، مأخوذة من الكتاب والسنّة وكلمات أئمّتهم، وأنّ الشيعة كانت في أواخر القرن الثاني ذات عقائد منتظمة ومستوعبة لجميع ما يرتبط بالمعارف الإلهية فترى أنّ ما كتبه الإمام الرضا، وما عرضه السيد عبدالعظيم الحسني على الإمام الهادي، هو السائد في هذه الرسائل .
2- يوجد في ثنايا هذه الرسائل آراء خاصّة لمؤلّفيها، ربّما يقع فيها النقاش والجدال والخلاف مع غيرهم من علماء الشيعة، فليس كل ما جاء فيها عقيدة لجميع علماء الشيعة ومؤلّفيهم ولكن المجموع من حيث المجموع تمثّل عقائد الشيعة في مجال صفاته سبحانه وأفعاله، وما يرجع إلى النبوّة والإمامة، والحياة الأخروية، خصوصاً فيما يرجع إلى الاعتقاد بمقامات الأئمّة وصفاتهم. فمن يريد أن يتعرّف على عقائد الشيعة فليرجع إليها بدل الرجوع إلى الكتب المؤلّفة من قبل أعدائهم وخصمائهم .
3- إنّ الإمعان في الاُصول الّتي جاءت في هذه الكتب والرسائل يعرب عن موافقة الشيعة في أكثر المسائل العقائدية لعامّة المسلمين. وربّما يختلفون عنهم في اُصول تختص بمجال الإمامة والقيادة بعد الرسول. وبما أنّ الأشاعرة والمعتزلة كانتا تمثّلان جمهور المسلمين في العصور المتقدّمة. نذكر في المقام الفوارق الجوهرية بين الشيعة والمعتزلة أوّلا، وبين الشيعة و الأشاعرة ثانياً، ثمّ نكمل البحث عن الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق الإسلامية .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية