عيد الغدير

البريد الإلكتروني طباعة

هذا .. ولا حاجة بنا إلى إثبات أن عيد الغدير إسلامي أصيل ، وقد كان في العصور الثلاثة الأولى وعدم صحة قول المقريزي : « أول ما عرف في الاسلام بالعراق ، أيّام معزّ الدولة علي بن بويه ، فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة ، فاتخذه الشيعة من حينئذ عيداً. (١)

فإن هذا القول لا يصح ولا يمكن قبوله ، فقد قال المسعودي : « ولد علي رضي الله عنه ، وشيعته يعظمون هذا اليوم ». (٢)

والمسعودي قد توفي قبل التاريخ المذكور ، أي في سنة ٣٤٦ هـ‍.

وروى فرات بن إبراهيم ، وهو من علماء الثالث عن الصادق ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله (ص) : « يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي الخ .. ». (٣)

ونجد أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام قد اعتبره عيداً ، حيث أنه عليه السلام خطب في سنة اتفق فيها الجمعة والغدير ، فقال : « إنّ الله عزوجلّ جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ... » والخطبة طويلة يأمرهم فيها تفصيلا بفعل ما ينبغي فعله في الأعياد ، وبإظهار البشر والسرور ، فمن أراد فليراجع .. (3)

وقد روى فرات بسنده عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبدالله عليه السلام : قال : قلت : جعلت فداك ، للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ، ويوم الجمعة ، ويوم عرفة ، قال : فقال لي : « نعم ، أفضلها ، وأعظمها ، وأشرفها عند الله منزلة ، هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدّين ، وأنزل على نبيّه محمد : أليوم أكملت لكم دينكم الخ ... ». (4)

وفي الكافي : عن الحسن بن راشد ، عن الامام الصادق (ع) أيضا : أنه اعتبر يوم الغدير عيداً ، وفي آخره قوله : « فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتّخذ عيداً » ، قال قلت : فما لمن صامه ؟ قال : « صيام سنين شهرا ». (5)

ويؤيده ما رواه الخطيب البغدادي ، بسندٍ رجاله كلهم ثقات ، عن أبي هريرة : من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا ، وهو يوم غدير خم الخ ». (6)

وفي رواية اخرى : أن رسول الله (ص) أوصى عليّاً أن يتّخذوا ذلك اليوم عيداً. (7) وليراجع ما رواه المفضل بن عمر ، عن الصادق عليه السلام (8) .. وما روي عن عمار بن حريز العبدي عنه عليه السلام (9) وعن أبي الحسن الليثي عنه عليه السلام (9) وعن زياد بن محمد عن الصادق (ع). (10)

« وقال الفياض بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومئتين ، وقد بلغ التسعين : أنه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام في يوم الغدير ، وبحضرته جماعة من خاصته ، قد احتبسهم للإفطار ، وقد قدم الى منازلهم الطعام والبر والصلات ، والكسوة حتى الخواتيم والنعال ، وقد غير من احوالهم ، وأحوال حاشيته وجددت لهم آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه. (11)

وفي مختصر بصائر الدرجات ، بالإسناد ، عن محمد بن علاء الهمداني الواسطي ، ويحيى بن جريح البغدادي ، قالا في حديث : قصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمّي ، صاحب الإمام أبي محمد العسكري ، ( المتوفى ٢٦٠ ) بمدينة قم ، وقرعنا عليه الباب ، فخرجت الينا من داره صبية عراقية ، فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغول بعيده ، فإنه يوم عيد ، فقلنا : سبحان الله ، أعياد الشيعة أربعة : الأضحى والفطر ، والغدير ، والجمعة الخ .. » (12).

وبعد ... فقد حشد العلامة الأميني ، في كتابه القيّم [ الغدير ] عشرات النصوص عن عشرات المصادر الموثوقة عند أهل السنّة ، والتي تؤكد على عيدية يوم الغدير في القرون الأولى ، وأنه قد كان شائعاً ومعروفاً في العصور الإسلامية الأولى ... وتكفي مراجعة الفصل الذي يذكر فيه تهنئة الشيخين أبي بكر وعمر لأمير المؤمنين عليه السلام بهذه المناسبة ، فقد ذكر ذلك فقط عن ستين مصدراً ...

هذا ... عدا عن المصادر الكثيرة التي ذكرت تهنئة الصحابة له عليه السلام بهذه المناسبة ، وعدا عن المصادر التي نصّت على عيدية يوم الغدير ، فإنها كثيرة أيضا ... فراجع كتاب : الغدير ج ١ من ص ٢٦٧ حتى ص ٢٨٩.

ومن ذلك كله يعلم : أنّ ما ذكره ابن تيمية عن عيد الغدير : « إن اتّخاذ هذا اليوم عيداً لا أصل له ، فلم يكن في السلف ، لا من أهل البيت ، ولا من غيرهم ، من اتخذ ذلك عيداً ». (13) لا يصح ، ولا يستند إلى دليل علمي ولا تاريخي على الإطلاق ... وإنّما الأدلّة كلها على خلافة.

أضف إلى ذلك : أنّنا نجد أنه قد كان في القرون الثلاثة ما هو اهم ، ونفعه أعم ، فإنّ :
رسول الله (ص) كان يتيمّن بسنة ولادة علي عليه السلام

قال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي :

« وقد روي : أن السّنة التي ولد فيها علي عليه السلام ، هي السنة التي بُدئ فيها برسالة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأسمع الهتاف من الاحجار ، والاشجار ، وكُشِف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ، ولم يخاطب فيها بشيء.

وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والانقطاع ، والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة ، وأُنزِل عليه الوحي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتيمّن بتلك السنة ، وبولادة عليّ عليه السلام فيها ، ويسمّيها سنة الخير والبركة ... ». (14)

 

الهوامش

1. الخطط للمقريزي / ج ١ / ص ٢٨٨.

2. التنبيه والاشراف / ص ٢٢١ / ٢٢٢.

3. الغدير / ج ١ / ص ٢٨٣.

4. مصباح المتهجّد / ص ٦٩٨ ، والغدير / ج ١ / ص ٢٨٤ عنه.

5. الغدير / ج ١ / ص ٢٨٤ / ٢٨٥ ، وتفسير فرات / ص ١٢.

6. الكافي / ج ٤ / ص ١٤٨ / ١٤٩ و الغدير / ج ١ / ص ٢٨٥ عنه ، ومصباح المتهجد / ص ٦٨٠.

7. تاريخ بغداد / ج ٨ / ص ٢٩٠ وأشير إليه في تذكرة الخواص / ص ٣٠ ، والمتاقب للخوارزمي / ص ٩٤ وفيه ستين سنة بدل ستين شهراً ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي / ص ١٩ ، وفرائد السمطين / الباب ١٣ / ج ١ / ص ٧٧ مثل ما في مناقب الخوارزمي ، والغدير / ج ١ / ص ٤٠١ / ٤٠٢ عنهم وعن زين الفتى للعاصمي.

8. الكافي / ج ٤ / ص ١٤٩ ، والغدير / ج ١ / ص ٢٨٥ / ٢٨٦.

9. الخصال / ج ١ / ص ٢٦٤ ، والغدير / ج ١ / ص ٢٨٦.

10. مصباح المتهجد / ص ٦٨٠ ، والغدير / ج ١ / ص ٢٨٦.

11. الغدير / ج ١ / ص ٢٨٧ عن الحميري.

12. مصباح المتهجد / ص ٦٧٩.

13. الغدير / ج ١ / ص ٢٨٧ ، ومصباح المتهجد / ص ٦٩٦.

14. الغدير / ج ١ / ص ٢٨٧.

 

مقتبس من كتاب المواسم والمراسم

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية