نصوص الاِمامية في تفسير خروجه

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 189 ـ  194

________________________________________
(189)
نصوص الاِمامية في تفسير خروجه:
نعم تفرقت الشيعة بعد استشهاده إلى فرقتين فرقة تقتفي زيد بن علي وتراه إماماً وفرقة أُخرى تقتفي الاِمام الصادق _ عليه السلام _ وكان بينهما نقاشات وخلافات نشبت من الجهل بموقف زيد، ولو كان لهم علم به لما كان لهذا الانقسام وجه، وقد أوضحه أعلام الاِمامية في كتبهم وإليك بعض كلماتهم:
1 ـ قال شيخنا المفيد في إرشاده وقال: واعتقد كثير من الشيعة فيه بالاِمامة وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد
________________________________________
(190)
فظنّوه يريد بذلك نفسه، ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه ـ عليه السلام ـ للاِمامة من قبله ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد اللّه (1).
2 ـ قال أبو القاسم القمي الخزاز ـ بعد نقل كلام يحيى بن زيد ـ الذي تعرفت عليه: فإن قال قائل: فزيد بن علي إذا سمع هذه الاَخبار وهذه الاَحاديث من الثقات المعصومين وآمن بها واعتقدها. فلماذا خرج بالسيف وادّعى الاِمامة لنفسه وأظهر الخلاف على جعفر بن محمد وهو بالمحل الشريف الجليل، معروف بالستر والصلاح، مشهور عند الخاص والعام بالعلم والزهد، وهذا ما لا يفعله إلاّ معاند أو جاحد، وحاشا زيداً أن يكون بهذا المحل؟
فأقول في ذلك وباللّه التوفيق: إنّ زيد بن علي بن الحسين _ عليهم السلام _ خرج على سبيل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا على سبيل المخالفة لابن أخيه جعفر بن محمد _ عليهما السلام _، وإنّما وقع الخلاف من جهة الناس، وذلك أنّ زيد بن علي _ عليه السلام _ لما خرج ولم يخرج جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ توهم من الشيعة أنّ امتناع جعفر كان للمخالفة وإنّما كان لضرب من التدبير، فلمّا رأى الذين صاروا للزيدية سلفاً قالوا: ليس الاِمام من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى ستره وإنّما الاِمام من خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فهذا كان سبب وقوع الخلاف بين الشيعة، وأمّا جعفر وزيد ـ عليهما السلام ـ فما كان بينهما خلاف.
والدليل على صحة قولنا قول زيد بن علي _ عليه السلام _: «من أراد الجهاد فإليّ ومن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر» ولو ادّعى الاِمامة لنفسه لم ينف كمال العلم عن نفسه إذ الاِمام يكون أعلم من الرعية، ومن المشهور قول جعفر ـ عليه السلام ـ «رحم اللّه عمي زيداً لو ظفر لوفاه إنّما دعا إلى الرضا من آل محمد وأنا الرضا»(2).
________________________________________
(1) الاِرشاد: 268، طبعة النجف الاَشرف.
(2) الخزاز القمي: كفاية الاَثر: 301 ـ 302.

________________________________________
(191)
3 ـ قال شيخنا المجلسي: إعلم أنّ الاَخبار اختلفت وتعارضت في أحوال زيد وأضرابه كما عرفت لكن الاَخبار الدالة على جلالة زيد ومدحه، وعدم كونه مدعياً لغير الحقّ أكثر، وقد حكم أكثر الاَصحاب بعلو شأنّه (1).
وقال أيضاً: «وكان يدعو إلى الرضا من آل محمد _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وأنّه كان عازماً على أنّه إن غلب على الاَمر فوضه إلى أفضلهم وإليه ذهب أكثر أصحابنا ولم أر في كلامهم غيره (2).
4 ـ وقال الزنوزي في رياض الجنّة: إنّ زيد بن علي كان دائماً في فكر الانتقام والاَخذ بثأر جده الحسين _ عليه السلام _ ومن هذه الجهة توهم بعضهم أنّه ادّعى الاِمامة وهذا الظن خطأ لاَنّه كان عارفاً برتبة أخيه وكان حاضراً في وقت وصية أبيه ووضع أخيه في مكانه وكان متيقناً أنّ الاِمامة لاَخيه وبعده للصادق ـ عليه السلام ـ (3).
5 ـ وعن السيد الجليل بهاء الدين علي بن عبد الحميد النبلي النجفي رضوان اللّه عليه في كتابه الاَنوار المضيئة أنّه قال: زعم طوائف ممن لا رشد لهم أنّ زيد بن علي بن الحسين _ عليهم السلام _ خرج يدعو لنفسه وقد افتروا عليه الكذب، وبهتوه بما لم يدّعه لاَنّه كان عين إخوته بعد أبي جعفر _ عليه السلام _ وأفضلهم ورعاً وفقهاً وسخاءً وشجاعة وعلماً وزهداً وكان يُدعى حليف القرآن وحيث إنّه خرج بالسيف ودعا إلى الرضا من آل محمد زعم كثير من الناس لا سيما جهال أهل الكوفة هذا الزعم، وتوهموا أنّه دعا إلى نفسه ولم يكن يريدها له لمعرفته باستحقاق أخيه الاِمامة من قبله وابن أخيه لوصية أخيه إليه بها من بعده ـ إلى أن قال: ـ وقد انتشرت الزيدية فكثروا وهم الآن طوائف كثيرة في كل صقع أكثرهم باليمن ومكة وكيلان (4).
________________________________________
(1) المجلسي: البحار: 46|205 ومرآة العقول: 1|261.
(2) المجلسي: البحار: 46|205 ومرآة العقول: 1|261.
(3) السيد الاَمين: زيد الشهيد: 35، نقلاً عن رياض الجنّة وهي بعد مخطوطة.
(4) المصدر نفسه: 35 ـ 36.

________________________________________
(192)
6 ـ وقال السيد صدر الدين: « لو لم يظهر الصادق _ عليه السلام _ عدم الرضا بخروجه، ويصوب أصحابه في معارضتهم وإسكاتهم إياه، ولم يجب بالاِبهام والاعجام عند السوَال عن خروجه، لكان في ذلك نقض الغرض والتعريض بهلاك الاِمام (1) .
7 ـ قال السيد علي خان المشعشعي الحويزي في كلام له: «ولا ريب أنّ قصده ونيته إن استقام له الاَمر إرجاع الحقّ إلى أهله ويدلّ على ذلك رضاهم عنه، وإنّما لم يمنعه أبو عبد اللّه الصادق _ عليه السلام _ من الخروج مع علمه بأنّ هذا الاَمر لا يتم له وأنّه يقتل لاَنّهم _ عليهم السلام _ يعلمون ما يقع بهم وبذريتهم، وماقدر لهم لاَنّ عندهم علم ما كان وما يكون، وكان يعلم أن لا مفر مما قدر فلا وجه للمنع (2)
8 ـ وقال المحقق المامقاني: « إنّما ادعى الاِمامة ليتبعوه فيستنقذ الحقّ من المتغلبين، ثم يسلمه إلى أهله والظاهر أنّ هذا هو الضرب من التدبير الذي أشار إليه العياشي في كتابه مقتضب الاَثر(3)
لما كانت الروايات المروية عن زيد على قسمين، قسم ورد التصريح فيه بأسماء الاَئمه الاثني عشر كالرواية الرابعة وقسم أجمل فيه الكلام، كسائر الروايات التالية، علّق عليها السيّد عبد الرزاق المقرم بما يلي:
9 وقال السيّد المقرّم: وهذه الاَحاديث وإن لم تصرح بأسماء الاَئمة الذين يلون الخلافة من عترة النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لكن تفيدنا القطع ببراءته
________________________________________
(1) السيد صدر الدين بن الفقيه السيد محمد العاملي في تعليقته على ترجمة زيد من منتهى المقال وهي مخطوطة. لاحظ زيد الشهيد للسيد المقرم: 87.
(2) الحويزي: نكت البيان: كما في وقائع الاَيام لشيخنا الخياباني قسم الصيام: 44.
(3) المامقاني: تنقيح المقـال: 1|469 ـ 470. ما نقله من كتـاب مقتضب الاَثر للعياشي فإنّما هو الخزاز في كتابه: كفاية الاَثر، وليس في الكتاب الاَوّل عين ولا أثر ممّا نقله.

________________________________________
(193)
من تلك الدعاوى الفارغة من كل حقيقة، وأنّه طاهر الضمير، قابل لاِيداع أسرار الاِمامة فيه ومع ملاحظة رواية ابنه يحيى (الرابعة) يتضح المراد مما أجمل في هذه الاَحاديث.
ولو أعرضنا عن جميع ذلك لاَفادنا اعترافه باستحقاق الصادق ـ عليه السلام ـ للخلافة بعد الباقر _ عليه السلام _ وأنّه الحجّة التي لايضل من تبعه، ولا يهتدي من خالفه، سلوكه المحجّة البيضاء والطريق اللاحب في الاِمامة. وهل يقع الشك في اعترافه بإمامة الصادق _ عليه السلام _ وهو يقول لعبد اللّه بن أبي العلاء (الرواية السادسة) وقد قال له: «أنت صاحب هذا الاَمر، قال: لا ولكنّي من العترة ـ قال له: ـ فإلى من تأمرني، قال: عليك بصاحب الشعر».
روى الكشي عن سورة بن كليب قال: قال لي زيد بن علي: ياسورة كيف علمتم أن أصاحبكم على ما تذكرونه؟
قال: قلت على الخبير سقطت. قال فقال: هات! فقلت له: كنّا نأتي أخاك محمد بن علي _ عليه السلام _ نسأله فيقول: قال رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وقال اللّه عزّ وجلّ في كتابه حتى مضى أخوك فأتيناكم وأنت فيمن أتينا، فتخبرونا ببعض ولا تخبرونا بكل الذي نسألكم عنه، حتى أتينا ابن أخيك جعفراً فقال لنا كلما قال أبوه قال رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وقال تعالى، فتبسّم وقال: أما واللّه إنّ قلت بذا فانّ كتب علي صلوات اللّه عليه عنده
(1)
ثم إنّ السيد المقرم ـ بعد المناقشة في دلالة أو سند الروايات الذامّة ونقدها نقداً علمياً ـ يقول: «من جميع ما مر فقد تجلّـى الحقّ، وانكشف بطلان دعواه الاِمامة لنفسه عن جد وعقيدة، وما هي إلاّ أساطير لفقهاء دعاة الباطل للحطّ من كرامة تلك الذات الطاهرة بغضاً وعدواناً، وإن تكن تلك الدعاوى، فإنّما الغرض منها استنقاذه الحقّ من أيدي المتغلبين عليه، ولاة الجور وأرباب الباطل وإعادته
________________________________________
(1) الكشي: الرجال: ترجمة سورة بن كليب برقم 240.
________________________________________
(194)
إلى أهله كما يفصح عنه قول الصادق _ عليه السلام _: «كان زيد عالماً وصدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه» وهذا من أهم الوسائل إلى استحصال الحقّ المغصوب، وإعادة سلطان العدل إلى أهله، ولو أعلن الدعوة للاِمام الصادق ـ كما يريده ضعيف النظر، قاصر البصيرة، لرأيت هناك الاَضرار البالغة التي تلحق الاِمام من أئمة الجور "تَكادُ السَّمواتُ يَتَفَطَّرنَ مِنهُ وَتَنشَقُّ الاََرْضُ وَتَخرُّ الجِبال")(1).

________________________________________
(1) السيد المقرم: زيد الشهيد: 63 و 86.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية