في عقائد فرق الخوارج

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5 ، ص 357 ـ  360
________________________________________
(357)
الفصل الثاني عشر
في عقائد فرق الخوارج ومخطّطاتهم في الحياة
________________________________________
(358)
________________________________________
(359)
ظهرت الخوارج في الساحة الإسلامية بصورة تيار سياسي لايتبنّون إلاّ تطبيق الحكم الشرعي الوارد في الكتاب والسنّة في أمر البغاة(الشاميين) وكان الجميع يحملون شعار«لاحكم إلاّ لله» يريدون بذلك انّ حكم الله في حق البغاة هو القتال، لاتحكيم الرجال، ولم يكن لهم يومذاك منهج كلامي، ولمّا قضى عليّ ـ عليه السَّلام ـ نحبه، ركّز الخوارج جهدهم على مكافحة الحكّام الظالمين كمعاوية وآله، ومروان بن الحكم وأولاده، وقد حفظ التاريخ انتفاضاتهم في وجه خلفاء بني اُميّة وعمّالهم كما تعرّفت على لفيف منها.
فلا عجب عندئذ إذا رأينا أنّ خارجياً يقتفي أصحاب الحديث في العقائد، أو يتبنّى عقيدة المعتزلة في غير مورد من الاُصول وما هذا إلاّ لأنّ القوم في القرنين الأوّلين كانوا مقاتلين، قبل أن يكونوا أصحاب فكر، وكانوا ثوّاراً في وجه الحكومات، قبل أن يكونوا فرقة دينية تتبنّى اُصولا عقائدية، والامعان في المبدأ الذي اتّخذوه كحجر زاوية (تخطئة التحكيم) أو الاُسس التي تبنّوها في العهد الاموي، أي بعد استيلاء معاوية على الحكم، إلى عهد عبدالملك بن مروان (ت 75) إلى آخر الدولة المروانية (132 هـ) يعرب عن أنّ
________________________________________
(360)
القوم لم يكن لهم يوم ذاك فكر كلامي ولا فقهي، وأنّ الغاية من تبنّي الاُسس المذكورة في هذا الفصل (تكفير مرتكبي الكبيرة وحرمة مناكحتهم ولزوم الخروج على الطغاة و...) إنّما هو تمهيد لأساليب توصلهم إلى القضاء على الخلفاء وحكّام الجور، والاستيلاء على منصَّة الحكم. ولذلك لم يورثوا سوى الشغب والثورة والأخذ بزمام الحكم.
نعم الفرقة الباقية منهم ـ كالاباضية ـ لمّا استشعروا أنّه لايصحّ بفريق سياسي أن يعيش بلا مبدأ كلامي أو فقهي، تداولوا بعض الموضوعات الكلامية والفقهية بالبحث والتمحيص. ويبدو من خلال الرجوع إلى آثار تلك الفرقة أنّ أكثر ما يتبنّونه في مجال العقائد إنّما هو نتاج متأخّر لم يفكّر به مؤسّس الفرقة كعبدالله بن اباض ولاالتابعي الآخر كجابر بن زيد، وأكثر ماورثوا من الأوّل شجاعته الروحية، وصراحته في بيان الحقائق، ومن الثاني أحاديث موقوفة، نقلها جابر عن عدّة من الصحابة، وأين هذا من منهج كلامي منسجم، وفقه واسع يتكفّل بيان تكاليف العباد في الحياة في عامّة المجالات. وهذا يؤيّد أنّ الخوارج ـ ظهرت يوم ظهرت ـ كفرقة سياسية ثم آلت إلى فرقة دينية.
ونحن نمّر في هذا الفصل على عقائدهم واُسسهم التي تعرّفت على سماتها والغايات المتوخّاة منها.
***
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية