ما أثر عنه من قول قبل الخروج وأوانه

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 281 ـ 284

________________________________________
(281)
ما أثر عنه من قول قبل الخروج وأوانه :
إنّ دراسة ما نقل عنه من كلمة أو كلمات يوقفنا على مرماه من الثورة، فإن الاِنسان بصير على نفسه ومهما اهتم على كتمان ما يضمره لكنه سيظهر على لمحات وجهه وفلتات لسانه، ولكن الثائر أصحر بهدفه في غير واحد من المواضع حتى أنّ الحاكم الاَموي (هشام بن عبد الملك) اتّهمه بفكر الثورة والقيام على النظام، وهذا يدلّ على أنّه كان يبوح بها آونة بعد أُخرى، وإليك هذه الكلمات:
1 ـ إنّما خرجت على الذين أغاروا على المدينة يوم الحرة ثم رموا بيت اللّه بحجر المنجنيق والنار (1)
ويشير ثائرنا بكلامه هذا إلى ما ارتكبه الحجاج قائد الجيش الاَموي ـ يوم التجأ ابن الزبير إلى البيت ـ فحصّبـه بالحجارة مستعيناً بالمنجنيق الذي نصبه الجيش على جبل أبي قبيس، المشرف على الكعبة. كما مر في ثورة عبد اللّه بن الزبير.
2 ـ إنّما خرجت على الذين قاتلوا جدي الحسين _ عليه السلام _ (2)
3 ـ روى عبد اللّه بن مسلم بن بابك، قال: خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل واستوت الثريا فقال: يا بابكي ما ترى هذه الثريا؟ أترى أنّ أحداً ينالها؟ قلت: لا، قال: واللّه لوددت أنّ يدي ملصقة بها فأقع إلى الاَرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة وأن اللّه أصلح بين أُمّة محمّد _ صلى الله عليه وآله وسلم _ (3).
إنّ هذه الكلمة إشراقة من كلام الحسين ووصيته إلى أخيه محمد ابن الحنفية: «إنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الاِصلاح في أُمّة جدي، وشيعة أبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ فاللّه
________________________________________
(1) البغدادي: الفرق بين الفرق: 35 ـ 36.
(2) البغدادي: الفرق بين الفرق: 35 ـ 36.
(3) أبو الفرج الاصفهاني: مقاتل الطالبيين: 87.

________________________________________
(282)
أولى بالحقّ، ومن ردّ على هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين» (1)
ترى أنّ بين الكلمتين تقارناً بل توافقاً، وهذا ما يدفعنا إلى أنّ ثورته كانت امتداداً لثورة الحسين _ عليه السلام _.
4 ـ أقام زيد الثائر بالكوفة وبايعه أصحابه وكانت بيعته التي يبايع عليها الناس: إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء، ورد المظالم، وإقفال المجمر، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا، وجهل حقنا. أتبايعون على ذلك فإذا قالوا نعم: وضع يده على يده، ثم يقول: عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته وذمّة رسوله لتفينّ ببيعتي ولتقاتلنّ عدوي، ولتنصحنّ لي في السر والعلانية، فإذا قال نعم: مسح يده على يده، ثم قال: اللّهمّ اشهد (2)
وفي كلامه هذا إلماع إلى كلام الاِمام الحسين _ عليه السلام _ ألقاه بالبيضة عندما حبسه الحرّ بن يزيد الرياحي عن الحركة: فقال: «أيها الناس إنّ رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ، يعمل في عباد اللّه بالاِثم والعدوان. فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على اللّه أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هوَلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام اللّه وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غيّر » (3).
5 ـ ومن كلامه: وإنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه، وإلى السنن أن تحيى
________________________________________
(1) المجلسي: بحار الاَنوار: 44|329.
(2) الطبري: التاريخ: 5|492، ابن الاَثير: الكامل: 5|233 باختلاف في التعبير.
(3) الطبري: التاريخ: 4|304.

________________________________________
(283)
وإلى البدع أن تدفع، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل(1).
6 ـ ومن كلامه لهشام بن عبد الملك: أنه لم يكره قوم قط حدّ السيف إلاّ ذلّوا (2).
وهذه الكلمة من هشام تعرب عن أنّه تجاهر بالثورة في ظروف مناسبة حتى وُشِـيَ به إلى هشام.
7 ـ روى ابن عساكر أنّ زيداً دخل على هشام فقال له: يازيد بلغني أنّ نفسك لتسمو بك إلى الاِمامة، والاِمامة لاتصلح لاَولاد الاِماء ـ فأجابه زيد بما مر عليك في الفصل الثالث المعقود لحياته فقال هشام: يازيد إنّ اللّه لايجمع النبوة والملك لاَحد، فقال زيد: قال اللّه تعالى: : "أم يَحْسُدُونَ الناسَ على ما آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آل إبراهِيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ واتَينْاهُم مُلكاً عظِيماً") (3)
8 ـ روى المسعودي أنّه لما قامت الحرب بين أصحاب زيد وجيش يوسف ابن عمر الثقفي انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم أشد قتال وهو يقول متمثلاً:
أذل الحياة وعزّ الممات * وكلاً أراه طعاماً وبيلا
فإن كان لابد من واحد * فسيري إلى الموت سيراً جميلاً(4)
________________________________________
(1) الطبري: التاريخ: 5|498، ابن الاَثير: الكامل: 5|243.
(2) المفيد: الاِرشاد: 269.
(3) ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، كما في زيد الشهيد للسيد العاملي: 91.
(4) المسعودي: مروج الذهب: 3|207.

________________________________________
(284)
وما أنشأه زيد الثائر من الشعر نفس ما أنشده الاِمام الحسين _ عليه السلام _:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا في سبيل اللّه يمضي ويقتل (1)
9 ـ روى المسعودي أنّه دخل زيد على هشام بالرصافة، فقال له: ليس أحد يكبر عن تقوى اللّه ولا يصغر دون تقوى اللّه، فقال هشام: اسكت لا أُمّ لك أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة، ثم نقل جواب زيد وقال: وقام زيد عن المجلس وهو يقول:
شرَّدَهُ الخوف وأزرى به * كذاك من يكره حرَّ الجلاد
منخرق الكفين يشكو الجوى * تنكثه أطراف مَرْوٍ حداد
قد كان في الموت له راحة * والموت حتم في رقاب العباد
إن يُحدث اللّه له دولــة * يترك آثار العدا كالرماد (2)
10 ـ إنّ رسالة زيد إلى علماء الاَُمّة أوان خروجه تدل بوضوح على أنّ دافعه إلى الخروج هو الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد مر نصّها في الفصل الثالث.
________________________________________
(1) الخوارزمي: مقتل الحسين _ عليه السلام _: 2|33.
(2) المسعودي: مروج الذهب: 3|206.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية