تحذيره عن القيام

البريد الإلكتروني طباعة

بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 302ـ  304

________________________________________

(302)

تحذيره عن القيام :

قد حذره عن القيام غير واحد من أقاربه وأصدقائه، حذروه عن الخروج معتضداً بالكوفيين وأنّهم أُناس لايوفون بمواثيقهم وعهودهم، ويشهد بذلك، حياتهم منذ عهد الاِمام إلى يومهم هذا نذكر كلمات بعض المحذّرين:

1 ـ روى الصدوق عن معمر بن سعيد قال: كنت جالساً عند الصادق ـ عليه السلام ـ فجاء زيد بن علي فأخذ بعضادتي الباب فقال: له الصادق _ عليه السلام _: «ياعم أُعيذك باللّه أن تكون المصلوب بالكناسة...» (2)

2 ـ قال محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: أُذكّرك يازيد لما لحقت بأهلك ولا تأت أهل الكوفة فإنّهم لا يفون لك، فلم يقبل(3)

3 ـ قال داود بن علي بن عبد اللّه بن عباس: يابن عم إنّ هوَلاء ليغرّونك من نفسك أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك: جدّك علي بن أبي طالب حتى قُتل، والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه، أوليس أخرجوا جدّك الحسين وحلفوا له وخذلوه وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه؟ (4).

________________________________________

(1) السياغي: الروض النضير: 1|130.

(2) الصدوق: عيون أخبار الرضا _ عليه السلام _: 1|249، الباب 25.

(3) الجزري: الكامل: 5|232.

(4) الطبري: التاريخ: 5| 488، الجزري: الكامل: 5|234.

________________________________________

(303)

4 ـ قال سلمة بن كهيل: ننشدك اللّه كم بايعك؟ قال: أربعون ألفاً، قال: فكم بايع جدك؟ قال: ثمانون ألفاً، قال: فكم حصل معه، قال ثلاثمائة، قال: نشدتك اللّه، أنت خير أم جدك؟ قال: جدي.

قال: فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال: ذلك القرن. قال: أفتطمع أن يفي لك هوَلاء، وقد غدر هوَلاء بجدك. قال: قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم، قال: أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد؟ فلا آمن أن يحدث حدث فلا أملك نفسي، فأذن له فخرج إلى اليمامة (1)

5 ـ كتب عبد اللّه بن الحسن بن الحسن إلى زيد: أمّا بعد فإنّ أهل الكوفة نفخ العلانية، خوَر السريرة، هرج في الرخاء، جزع في اللقاء، تقدّمهم ألسنتهم، ولاتشايعهم قلوبهم. ولقد تواترت إليّ كتبهم بدعوتهم فصممتُ عن ندائهم، وألبست قلبي غشاءً عن ذكرهم، يأساً منهم واطِّراحاً لهم، ومالهم مثل إلاّ ما قال علي بن أبي طالب: «إن أُهملتم، خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم» (2)

أعذاره تجاه الناصحين :

هذه النصائح لم تكن رادعة لزيد عن أُمنيته وجهاده، لاَنّه كان واقفاً على ما تنطوي عليه سرائر أهل الكوفة من التساهل في مجال العمل بالمواثيق والعهود، ولكنه _ عليه السلام _ لم يصغ إلى شيء منها، لاَنّه كان موطّناً نفسه على القتل والشهادة سواء أنال بغيته الظاهرة أي الحكومة والسلطة أم لا، وذلك لاَنّ من أهدافه العالية إنهاض المسلمين إلى الثورة ولو باستشهاده وقتله في سبيل اللّه

________________________________________

(1) الطبري: التاريخ: 5| 489، الجزري: الكامل: 5|235.

(2) الطبري: التاريخ: 5| 489، الجزري: الكامل: 5|235.

________________________________________

(304)

حتى يقضوا على عروش بني أُمية، ومن حسن الحظ أنّ زيداً وصل إلى تلك الاَُمنية، فقد تواترت الثورات بعد زيد هنا وهناك ضد النظام فأُزيلت عروشهم بعد استشهاده بمدّة لاتزيد على عشر سنوات، فصارت جثث بني أُمية طعمة للكلاب والوحوش، فاستوَصلوا من الاَراضي الاِسلامية ولم يبق منهم إلا حثالات فرّوا إلى الاَندلس أو كانوا فيها وما أجاب به زيد، سلمة بن كهيل من كون بيعة الكوفيين على عنقه ولابد له من الوفاء بها فإنّما كان جواباً ظاهرياً لاقناع سلمة، وإلاّ فللعمل بالميثاق شروط أوضحها كون الظروف هادئة والعدو غافلاً، أو ضعيفاً والمبايعين صامدين في طريق بيعتهم ولم يكن واحد منها موجوداً.

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية