حلقات المناظرة بين الاِمامية والزيدية

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص  501ـ  505
________________________________________
(501)
الفصل العاشر
في أُمور متفرقة
الاَوّل:
حلقات المناظرة بين الاِمامية والزيدية :
يشهد التاريخ على أنّ حلقات المناظرة كانت تنعقد في الجامعات وبيوت الشخصيات في عصر الشيخ المفيد (336 ـ 413هـ) ويشارك فيها الاِمامي والزيدي والمعتزلي وغيرهم، وكان الشيخ يناظر كل هذه الفرق، ببلاغة تثير إعجاب المشاركين.
وقد ذكر السيد المرتضى (355 ـ 463هـ) قسماً من هذه المناظرات في كتابه «الفصول المختارة» الذي اختاره من كتاب «العيون والمحاسن» لاَُستاذه الشيخ المفيد، وقد طبع الاَوّل دون الثاني.
ونذكر هنا أجوبة الشيخ للاعتراضات الثلاثة التي طرحها أحد شيوخ الزيدية المعروف بالطبراني ويدور الجميع على محاور ثلاثة.
إنّ الاِمامية حنبلية من جهات ثلاث:
1 ـ يعتمدون على المنامات كالحنابلة.
2 ـ يدّعون المعجزات لاَ كابرهم كالحنابلة.
3 ـ يرون زيارة القبور مثلهم.
________________________________________
(502)
وإليك الاعتراضات والاَجوبة بنصهما.
قال الشيخ: كان يختلف إليّ حدَث من أولاد الاَنصار ويتعلّم الكلام فقال لي يوماً: اجتمعت البارحة مع الطبراني شيخ من الزيدية، فقال لي: أنتم يامعشر الاِمامية حنبلية وأنتم تستهزئون بالحنبلية، فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال: لاَنّ الحنبلية تعتمد على المنامات وأنتم كذلك، والحنبلية تدّعي المعجزات لاَكابرها وأنتم كذلك، والحنبلية ترى زيارة القبور والاِعتكاف عندها وأنتم كذلك، فلم يكن عندي جواب أرتضيه، فما الجواب؟
الجواب على الاعتراض الاَوّل:
قال الشيخ أدام اللّه عزّه: فقلت له: أرجع فقل له: قد عرضتُ ما ألقيته إليّ على فلانٍ، فقال لي: قل له إن كانت الاِمامية حنبلية بما وصفت أيها الشيخ فالمسلمون بأجمعهم حنبلية والقرآن ناطق بصحة الحنبلية وصواب مذاهب أهلها، وذلك أنّ اللّه تعالى يقول: "إذْ قَالَ يُوسُفُ لاِبيهِ ياأبَتِ إنّي رَأيتُ أحَدَ عَشَرَ كَوكَباً وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأيتُهُمْ لِي ساجِدِينَ * قَالَ يابُنيَّ لاتَقصُصْ رُوَياكَ عَلَى إخوَتِكَ فَيَكيدُوا لَكَ كَيداً إنّ الشَّيطانَ لِلاِنسانِ عَدُوٌّ مُبين") (يوسف: 4 ـ 5).
فأثبتَ اللّه جلّ اسمه المنام وجعل له تأويلاً عرفه أولياءه _ عليهم السلام _ وأثبتته الاَنبياء ودان به خلفاوَهم وأتباعهم من الموَمنين واعتمدوه في علم ما يكون وأجروه مجرى الخبر مع اليقظة وكالعيان له.
وقال سبحانه: "وَدَخَلَ مَعَهُ السِجنَ فَتيانِ قالَ أحَدُهُما إنّي أراني أعصِرُ خَمراً وَقالَ الآخرُ إنّي أراني أحمِلُ فَوقَ رَأسي خُبزاً تَأكُلُ الطَيرُ مِنهُ نَبّئنا بِتَأويله إنّا نراكَ مِنَ المُحسِنين") (يوسف ـ 36) .
فنبّأهما _ عليه السلام _ بتأويله وذلك على تحقيق منه لحكم المنام، وكان سوَالهما له مع جهلهما بنبوته دليلاً على أنّ المنامات حقّ عندهم، والتأويل لاَكثرها
________________________________________
(503)
صحيح إذا وافق معناها، وقال عزّ اسمه: "وَقالَ المَلِكُ إنّي أرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يأكُلُهُنَّ سَبْعٌ عُجافٌ وَسَبْعَ سُنْبلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرُ يابِساتٍ يا أيّها المَلاَ أفتُوني في روَياي إن كُنتُمْ لِلروَيا تُعَبرُونَ * قَالوا أضغاثُ أحلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأويلِ الاَحلامِ بِعالِمين") (يوسف: 43 ـ 44) ثم فسرها يوسف _ عليه السلام _ وكان الاَمر كما قال.
وقال تعالى في قصة إبراهيم وإسماعيل _ عليهما السلام _: "فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قَالَ يابُنيَّ إنّي أرى في المنامِ أنّي أذبَحُكَ فَانظُرْ ماذا تَرى قال يا أبتِ افعل ما تُوَمر سَتَجِدُني إن شاءَ اللّهُ مِنَ الصابِرين") (الصافات: 102) فأثبتا ـ عليهما السلام ـ الروَيا وأوجبا الحكم ولم يقل إسماعيل لاَبيه _ عليه السلام _ يا أبت لا تسفك دمي بروَيا رأيتها فإنّ الروَيا قد تكون من حديث النفس، وأخلاط البدن وغلبة الطباع بعضها على بعض كما ذهبت إليه المعتزلة.
فقول الاِمامية في هذا الباب ما نطق به القرآن، وقول هذا الشيخ هو قول الملاَ من أصحاب الملك حين قالوا: "أضغاث أحلام") ومع ذلك فإنّا لسنا نثبت الاَحكام الدينية من جهة المنامات وإنّما نثبت من تأويلها ما جاء الاَثر به عن ورثة الاَنبياء _ عليهم السلام _.
الجواب على الاعتراض الثاني :
فأمّا قولنا في المعجزات فهو كما قال اللّه تعالى: "وَأوحَيْنا إلى أُمّ مُوسى أن أرضِعيه فإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألقيهِ في اليمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحزَني إنّا رادُّوه إلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلين") (القصص ـ 7) .
فَضمَّنَ هذا القولُ تصحيح المنام إذ كانَ الوَحي إليها في المنام، وضمَّنَ المعجز لها لعلمها بما كان قبل كونه.
وقال سبحانه في قصة مريم _ عليها السلام _: "فَأشارت إلِيهِ قَالَوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي المَهدِ صَبِيا * قالَ إنّي عَبدُ اللّه آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبيّاً * وَجَعَلَني)
________________________________________
(504)
مُبارَكاً أينَ ما كُنْتُ وَأوصاني بالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيّاً" (مريم ـ 29 ـ 31) فكان نطق المسيح _ عليه السلام _ معجزاً لمريم _ عليهما السلام _ إذ كان شاهداً ببراءة ساحتها. وأُمّ موسى _ عليه السلام _ ومريم لم تكونا نبيين ولا مرسلين ولكنهما كانتا من عباد اللّه الصالحين. فعلى مذهب هذا الشيخ كتاب اللّه يصحح الحنبلية.
الجواب على الاعتراض الثالث :
وأمّا زيارة القبور فقد أجمع المسلمون على وجوب زيارة رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ حتى رووا «منْ حجَّ ولم يزره متعمداً فقد جفاه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وثلم حجّهُ بذلك الفعل»، وقد قال رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «من سلّم عليّ من عند قبري سمعته، ومن سلّم عليَّ من بعيد بلغته» سلام اللّه عليه ورحمته وبركاته وقال _ صلى الله عليه وآله وسلم _ للحسن ـ عليه السلام ـ: «من زارك بعد موتك أو زار أباك أو زار أخاك فله الجنّة».
وقال أيضاً: في حديث له أوّل مشروح في غير هذا الكتاب: «تزوركم طائفة من أُمتي تريد به برّي وصلَتي فإذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف فأخذت بأعضادها وأنجيتها من أهواله وشدائده».
ولا خلاف بين الاَُمّة أنّ رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لما فرغ من حجّة الوداع لاذ بقبر درس فقعد عنده طويلاً ثم استعبر فقيل له: يارسول اللّه ما هذا القبر؟ فقال: هذا قبر أُمّي آمنة بنت وهب سألت اللّه في زيارتها فأذن لي.
وقال _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها وكنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الاَضاحي ألا فادخروها».
وقد كان أمر في حياته _ صلى الله عليه وآله وسلم _ بزيارة قبر حمزة ـ عليه السلام ـ وكان _ عليه السلام _ يلمّ به وبالشهداء، ولم تزل فاطمة _ عليها السلام _ بعد وفاته _ صلى الله عليه وآله وسلم _ تغدو إلى قبره وتروح لزيارته وكان أهل بيته والمسلمون يثبرون على زيارته وملازمة قبره _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فإن كان ما تذهب إليه الاِمامية من زيارة مشاهد الاَئمة _ عليهم السلام _ حنبلية وسخفاً من
________________________________________
(505)
الفعل، فالاِسلام مبني على الحنبلية ورأس الحنبلية رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، وهذا قول متهافت جداً يدلّ على قلة دين قائله وضعف رأيه وبصيرته.
ثم قال له: يجب أن تعلم أنّ الذي حكيت عنه قد حرّف القول وقبّحه ولم يأت به على وجهه، والذي نذهب إليه في الروَيا أنّها على أضرب: فضرب منه يبشر اللّه به عباده ويحذرهم. وضرب تهويل من الشيطان وكذب يخطر ببال النائم. وضرب من غلبة الطباع بعضها على بعض، ولسنا نعتمد على المنامات كما حكاه لكننا نأنس بما نبشر به، ونتخوف مما نحذر منها ومن وصل إليه شيء من علمها عن ورثة الاَنبياء _ عليهم السلام _ مَيزّ بين حقّ تأويلها وباطله ومتى لم يصل إليه شيء من ذلك كان على الرجاء والخوف.
وهذا يسقط ما لعله سيتعلق به في منامات الاَنبياء _ عليهم السلام _ من أنّها وحي لاَنّ تلك مقطوع بصحتها وهذه مشكوك فيها مع أنّ منها أشياء قد اتفق ذوو العادات على معرفة تأويلها حتى لم يختلفوا فيه ووجدوه حسنا.
وهذا الشيخ لم يقصد بكلامه الاِمامية ولكنه قصد الاَُمّة ونصر البراهمة والملاحدة، مع أني أعجب من هذه الحكاية عنه وأنا أعرفه يميل إلى مذهب أبي هاشم ويعظّمه ويختاره، وأبو هاشم يقول في كتابه «المسألة في الاِمامة»: إنّ أبا بكر رأى في منام كان عليه ثوباً جديداً عليه رقمان ففسره على النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فقال له: إن صدقت روَياك تبشر بخير (فستخبر بولدين خ) وتلي الخلافة سنتين، فلم يرض شيخه أبو هاشم أن أثبت المنامات حتى أوجب بها الخلافة وجعلها دلالة على الاِمامة. فيجب على قول هذا الشيخ الزيدي عند نفسه أن يكون أبو هاشم رئيس المعتزلة عنده حنبلياً بل يكون عنده أبو بكر حنبلياً بل رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لاَنّه صحح المنام وأوجب به الاَحكام، وهذا من بهرج المقال (1)
________________________________________
(1) السيد المرتضى : الفصول المختارة : 128 ـ 132 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية