نظرية الاِمامة لدى الزيدية

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 511 ـ  515
________________________________________
(511)
نظرية الاِمامة لدى الزيدية :
إنّ المطروح لدى الزيدية من الاِمامة غير ما ذكرنا ولو كان الملاك لتبيين مذهبهم ما ذكره كتّاب العقائد من غيرهم، وابن المرتضى من أنفسهم، فنظام الاِمامة في غير مورد المنصوص عليه عندهم، أمر لا يلائم روح الكتاب والسنّة ولا
________________________________________
(512)
متطلبات العصر، لاَنّهم القائلون بإمامة أمير الموَمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين (بالتنصيص السماوي) وزيد بن علي ولاِمامة كل فاطميّ دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ومن أهل العلم والشجاعة وكانت بيعته على تجريد السيف للجهاد (1)
وقال الشهرستاني: إنّهم (الزيدية) يعتبرون في نظام الاِمامة اتّباع كلّ فاطمي عالم، شجاعُ، سخي، خرج بالاِمامة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين _ عليهما السلام _ وربّما جوّزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة (2)
ويقول ابن المرتضى وتنعقد بالدعوة مع الكمال.
الاِمعان في كتب الزيدية حول الاِمامة أو ما حرروه بأقلامهم، يعرب عن أنّ دعائم الاِمامة عندهم ثلاثة:
1 ـ الوراثة: كون الداعي فاطميّاً.
2 ـ الدعوة إلى الاِمامة.
3 ـ الخروج بالسيف.
ولكن باب المناقشة فيها مفتوح.
أمّا المبدأ الاَوّل فإذا كان الاِمام منصوصاً من قبل اللّه فالمتبع أمره فاطمياً كان أو لا، وإن كان أمره سبحانه في غير الاِمام علي _ عليه السلام _ منطبقاً عليه، لكن لا بملاك كونهم فاطميين بل بملاكات خاصة أهّلتهم لاَن يكونوا أُولي الاَمر، وواجبي الطاعة قال سبحانه: "أطِيِعُوا اللّهَ وَأطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الاَمر مِنكُم") (النساء ـ 59) .
________________________________________
(1) المفيد أوائل المقالات: 39، طبعة جماعة المدرسين.
(2) 2 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1 | 154 .

________________________________________
(513)
وإذا كان غير منصوص فاللازم كون الاِمام ذا قابليات توَهّله لاشغال منصب الاِمامة سواء أكان فاطمياً أم لا، فالاِصرار على هذا المبدأ خصوصاً فيما إذا كان غير الفاطمي أبـصر وأعلم، وأتقى وأزهد وأوقع في القلوب، غير صحيح.
ثم إنّ المبدأ الثاني والثالث يثيران الرغبة والطمع في كل فاطمي يرى نفسه عادلاً، وعالماً وشجاعاً فعند ذلك ينتهي الاَمر إلى النزاع والتشاجر وربما ـ لا سمح اللّه ـ إلى إراقة الدماء.
وحاصل الكلام: أنّ مكافحة الاستبداد ورفض ابتزاز أمر الاَُمّة بلا رضا منها، رهن أحد أمرين:
1 ـ أن يصدر من اللّه الرحمن الرحيم على عباده، الواقف على مصالحهم ومفاسدهم، تنصيص على ولاية أحد، كالنبي الاَعظم وأئمة أهل البيت عند الشيعة.
2 ـ مشاركة الشعب في بناء النظام حتى يكون مورد رضاهم بنحو من الاَنحاء ولاشيء ثالث، وإلاّ فلو لم يكن هذا ولا ذاك كثر الطالب وزادت الدعوة وربما ينتهي إلى حروب دامية، وما ذكره الاِمام يحيى بن الحسين لحسم النزاع لايفيد شيئاً حيث قال: إن تشابها في العلم فالاِمامة لاَورعهما وإن تشابها في الورع والعلم، فالاِمامة لاَزهدهما، وإن تشابها في ذلك كله فالاِمامة لاَسخاهما، وإن تشابها فلاَشجعهما، فلاَرحمهما....
إنّ ما ذكره من الضابط لحسم مادة الخلاف لو كانت مفيدة فإنّما تفيد في رفع النزاع في إمامة المسجد، لا في رفع النزاع في الزعامة الكبرى، إذ كل يزعم أنّه، أعلم، وأورع، وأزهد، وأسخى، وأشجع، وربما يحلف عليه ويجمع الجموع...
فلاَجل ذلك المأزق الذي يواجه فكرة الاِمامة لدى الزيدية عاد المفكرون
________________________________________
(514)
من متأخّريهم إلى طرح الفكرة بشكل يلائم روح العصر ويقول أحد الكتاب:
أمّا الزيدية فلهم طريقان لاختيار الاِمام بعد المنصوص عليهم:
1 ـ ترشيح الشخص العارف من نفسه، الاَهلية بواسطة منشور ـ الدعوة ـ يوضح فيه موجبات الدعوة وأهليّته للقيام بالاِمامة ومنهج عمله فيها.
وعند ذلك يجتمع العلماء والزعماء والمثقفون ـ رجال الحل والعقد ـ ويصلون لمناقشته واختياره ان كان غير معروف لديهم، ويتشاورون فيما بينهم في موضوع كفاءته ومكانته، فإذا ارتضوه بعد ذلك بايعوه وإلاّ عدلوا إلى غيره.
2 ـ يُرشِّـح رجـال الحـل والعقـد واحـداً لمن يرونه صالحاً لهذا المنصب العظيم، وإذا وافقهم على ترشيحه بايعوه وإلاّ عدلوا إلى غيره (1)
ولعل هذه الاَُطروحة التي قدمها الفاضل المعاصر تزيح بعض النقاش حول النظرية، ويصوّرها تصويراً هادئاً قابلاً للتجسيد كما أنّ المعلّق على البحر الزخار، طرح نظرية الاِمامة بالشكل التالي معلقاً على قول ابن المرتضى «وتنعقد بالدعوة مع الكمال» قوله: مع عدم المنازع فيفوز بذلك أو بأن تحصل له البيعة من الاَكثرية مع عدم وجود المنازع، كل ذلك بعد سبق ترشيحه من ذوي الحل والعقد لمعرفة حصوله على الشروط الموَهلة له (2)
إنّ ما نقلناه عن العلمين وإن كان يهوّن الخطب في مسألة الاِمامة، لكن التاريخ يشهد على أنّ السيرة جرت على سيادة من غلب، ولم يكن ترشيح الشخص، أو ترشيح رجال الحل والعقد واحداً من الصلحاء إلاّ حبراً على ورق إلاّ
________________________________________
1 ـ الزيدية نظرية وتطبيق : 118 .
(2) ابن المرتضى : مقدمة البحر الزخار: 92 .

________________________________________
(515)
في فترات قليلة.
هذا وما ماثله أعطت حجة للوسائل الاِعلامية أن تتهجم على نظام الاِمامة بأنّه حكومة استبدادية تسلب فيها الحريات بإرادة الفرد السائس، ويرافق دائماً بالضغط على الشعب، وتثني على الجمهورية بأنّ فيها ضماناً على الحريات المعقولة ولم تزل الحرب الاِعلامية قائمة على قدم وساق تدعمها المعسكرات الغربية والشرقية المحاربة لكل نظام ديني قائم في أي قطر من أقطار العالم، إلى أن أُججّ نار الحرب المبيرة لكل رطب ويابس، في بلد فقير كاليمن التي لا تملك إلاّ جمال الطبيعة وانتهت إلى انتصار المخالفين في ظل القوات المكثفة التي كانت وراءها الجمهورية العربية المتحدة، في أيّام جمال عبد الناصر فسقط نظام الاِمامة سياسيّاً وحكومياً وإن كانت القلوب الموَمنة متنبّئة بها.
فالمرجو من اللّه سبحانه أن يوفق المسلمين لتوحيد الكلمة كما وفقهم لكلمة التوحيد، ويجمع شملهم، ويثير شعور المفكرين إلى واجبهم تجاه الحكومة الاِسلامية إنّه بذلك قدير وبالاِجابة جدير
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية