إعادة الخلق المعدوم جائز

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 2 ، ص 74 ـ  76
________________________________________
(74)
(4)
إعادة الخلق المعدوم جائز

استدلّ الشيخ الأشعري على جواز إعادة الخلق المعدوم بالبيان التالي:
إنّ الله سبحانه خلقه أوّلاً، لا على مثال سبقه، فإذا خلقه أوّلاً لم يعيه أن يخلقه خلقاً آخر.
ثمّ استشهد بالآيات الواردة حول إمكان المعاد، التي منها قوله سبحانه:(وَضَرَبَ لَنا مَثلاً وَنَسيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحيي العِظام وَهَي رَميمٌ* قُلْ يُحييها الّذي أَنْشَأها أوّل مَرّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَليمٌ)) .(1)
يلاحظ على ما ذكره: أنّ هنا مسألتين يجب فصل كلّ منهما عن الأُخرى:
الأُولى: إعادة الخلق الأوّل بعد فنائه بتلاشيه وتفرّق أجزائه، وهذا ما أخبرت عنه الشرائع السماوية، واستدلّ القرآن على إمكانه بطرق متعددة نشير إليها عن قريب، ومثل هذا ليس إعادة للخلق الأوّل بعد انعدامه من جميع الجهات، بل هو إحياء للمواد المبعثرة من الإنسان بإعادة الروح إليها. والحاكم بأنّ الإنسان المعاد هو الإنسان المبتدأ، هو وحدة الروح المجردة المتعلّقة في كلّ زمن ببدن خاص، والروح لا تفنى بفناء المادة، ولا تنفك أجزاؤها.
________________________________________
1. يس:78ـ 79.
________________________________________
(75)
وقد استدلّ القرآن على إمكان هذا النوع من الإعادة بطرق مختلفة نأتي بأُصولها:
1. الاستدلال بعموم القدرة، مثل قوله سبحانه:(أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ الله الّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِر عَلى أَنْ يُحْييَ الْمَوتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلّ شَيء قَديرٌ) .(1)
2. قياس الإعادة على الابتداء، كما في قوله سبحانه: (كَما بَدَأنا أَوّل خَلْق نُعيدُهُ) .(2)
3. الاستدلال على إمكان إحياء الموتى بإحياء الأرض بالمطر والنبات، كما في قوله سبحانه: (وَيُحْيي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) .(3)
4. الاستدلال بالوقوع على الإمكان، فإنّ أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه، ولأجل ذلك نقل سبحانه قصة بقرة بني إسرائيل (البقرة:67ـ73) وحديث عزير(البقرة:259).
5. الاستدلال ببعض المنامات الطويلة التي امتدت ثلاثمائة سنة وزيدت عليها تسع، فإنّ النوم أخو الموت، ولا سيّما الطويل منه. والقيام من هذا النوم يشبه تجدّد الحياة وتطوّرها.
6. قياس قدرة الإعادة على قدرة إخراج النار من الشجر الأخضر، كما في قوله سبحانه:(قُلْ يُحْيِيها الَّذي أَنْشَأَها أَوّلَ مَرّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَليم* الَّذي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِالأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُون)) .(4)
هذه هي البراهين المشرقة التي اعتمد عليها القرآن فيما يتبنّاه من إمكان المعاد ووقوعه، وهذه المسألة لا تمتّ إلى المسألة التالية بصلة.
الثانية: إعادة المعدوم من جميع الجهات، بعينه لا بمثله، وهذا هو الذي
________________________________________
1. الأحقاف:33. 2. الأنبياء:104. 3. الروم:19. 4. يس:79ـ 80.
________________________________________
(76)
ادّعى الشيخ الرئيس ابن سينا الضرورة على امتناعه، وأقام البراهين عليه، ونذكر منها ما يناسب وضع كتابنا.
إنّ إعادة الشيء المعدوم من جميع الجهات نوع إيجاد له، والمفروض أنّ هذا الإيجاد يغاير الإبداع الذي تعلّق بإيجاده قبل أن يكون معدوماً. ومع تعدّد الإيجاد وتعدّد أعمال القدرة كيف يكون المعاد نفس المبتدأ من جميع الجهات. نعم، يكون المعاد مثل المبتدأ لا عينه، ولأجل الإيضاح نأتي بمثال:
إذا قام الإنسان بخلق صورة الفرس بالشمعة اللينة، ثمّ محا الصورة التي أوجدها وأعادها ثانياً، فلا يصحّ لأحد أن يقول: إنّ الصورة الثانية عين الأُولى، لأنّ الأُولى تعلّقت بها قدرة وأوجدت بإيجاد خاص، والثانية تعلّقت بها قدرة أُخرى في زمان آخر، وأُوجدت بإيجاد ثان، والقدرتان مختلفتان، والإيجادان متعدّدان، فكيف يكون الموجدان واحداً بل لا مناص على القول باختلافهما. فإذا لم يصحّ إعادة المعدوم في المثال المذكور (الذي كانت المادة فيه محفوظة والصورة فقط منعدمة) فكيف يصحّ فيما كانت الصورة والمادة معدومتين غر باقيتين؟
هذا هو الفرق البارز بين المسألتين، ولم يشر الشيخ الأشعري إلى الفرق بينهما.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية