صفاته الذاتية

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 2 ، ص 80 ـ  83
________________________________________
(80)
(6)
صفاته الذاتية

اتّفق الإلهيون على أنّه سبحانه: عالم، قادر، حي، سميع، بصير، وهذه هي الصفات الذاتية حسب مصطلح المتكلّمين، والصفات الثبوتية الكمالية حسب مصطلح متكلّمي الإمامية. وهي في مقابل صفات الفعل، أعني: ما ينتزع لا من مقام الذات بل من مقام الفعل ككونه رازقاً، محيياً، مميتاً وغيرها. وإليك نصوص استدلاله في تلك المجالات:
أ. الله سبحانه عالم
استدلّ الأشعري على كونه سبحانه عالماً: بأنّ الأفعال المحكمة لا تتسق في الحكمة إلاّ من عالم. وذلك أنّه لا يجوز أن يحوك الديباج بالتصاوير ويصنع دقائق الصنعة من لا يحسن ذلك ولا يعلمه.(1)
ما ذكره من البرهان قد ذكره قبله غيره ببيان رائق وتعبير بديع، فإنّ إتقان الفعل واستحكامه آية علم الفاعل بشؤون الفعل و ما يقوّمه وما يفنيه.
ب. الله سبحانه حيّ قادر
استدلّ على هذا بأنّه لا تجوز الصنائع إلاّمن حيّ قادر، لأنّه لو جاز
________________________________________
1. اللمع: 24.
________________________________________
(81)
حدوثها ممّن ليس بقادر حي، لم ندر لعل سائر ما يظهر من الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى، فلماّ استحال ذلك، دلّت الصنائع على أنّ الله حي.(1)
كان الأليق التفكيك بين الحياة والقدرة، وتقديم البحث في القدرة على البحث في الحياة، لأنّه إذا ثبت كونه قادراً ـ و قد أثبت فعله كونه عالماً ـ ثبت كونه حياً بلا حاجة إلى الاستدلال الجديد، لأنّ الحيّ عبارة عن العالم القادر، أو الدرّاك الفعال. فمن كان عالماً قادراً فهو حيّ قطعاً.
ج. الله سبحانه سميع بصير
قال الأشعري: إنّ الحي إذا لم يكن موصوفاً بآفة تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات إذا وجدت، فهو سميع بصير، والله تعالى منزّه عن الآفة من الصمم والعمى، إذ كانت الآفة تدّل على حدوث من جارت عليه.(2)
يلاحظ عليه: أنّ الأبصار تتعلّق بالأضواء والألوان. والسمع يتعلّق بالأصوات والكلمات، فلو كان إبصاره سبحانه للمبصرات، وسماعه للمسموعات بالإدراك الحسي المادي، نظير الإنسان والحيوان، لاحتاج في تحقّقهما إلى الآلة. وعند ذاك يأتي ما ورد في كلام الشيخ من مسألة الصحّة والتنزّه عن الآفة، نظير الصمم والعمى، وأنّ الآفة آية الحدوث.
وأمّا لو كان توصيفه بهذين الوصفين بالمعنى اللائق بساحته، فحقيقة كونه سميعاً بصيراً ترجع إلى حضور المسموعات والمبصرات لديه، وعدم غيابهماعنه سبحانه ولا يختص الحضور بهما، بل الموجودات على الإطلاق بهوياتها الخارجية حاضرة لديه، لأنّها قائمة به سبحانه، قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي، فهي حاضرة لديه، غير غائبة عنه، من غير فرق بين المبصر والمسموع وغيرهما،وتخصيصهما بالذكر لكون الحس المتعلّق بهما في الإنسان
________________________________________
1. اللمع: 25. 2. اللمع: 25.
________________________________________
(82)
أشرف من غيره، فاقتصر عليهما، وإلاّ فالله سبحانه أجل من أن يسمع ويرى بالآلة، ويباشر بذاته الأضواء والأصوات.
وباختصار: إنّ واقع الإبصار والسماع ليس إلاّ حضور المبصرات والمسموعات لدى البصير والسميع.
وأمّا الآلة وأعمالها والتأثر من الخارج فمقدّمات إعدادية.
فلو تحقّق في مورده الحضور، بلا حاجة إلى تلك المقدمات لكان أحقّ بكونه سميعاً وبصيراً.
ونضيف في الختام أنّه لم يعلم كنه قوله: «الآفة تدلّ على حدوث من جارت عليه» فإنّ كون المدرك (بالكسر) مادياً آية الحدوث لكونه ممكناً، والممكن حاجته إلى الواجب أزلية، وأمّا الصحّة والآفة، فالكلّ بالنسبة إلى القدم والحدوث سواسية فلا الصحة آية القدم، ولا الآفة آية الحدوث.
بل كون الشيء (الإدراك) مادياً آية الحدوث للتلازم بين المادية والحدوث.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية