تاريخ الوهابية مؤسسها، ناصرها وتطورها

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 333 ـ 338
________________________________________
(333)
تاريخ الوهابية
مؤسسها، ناصرها وتطورها
قد وقفت في الفصول السابقة على العقائد الوهابية عن كثب، وأنها لم تكن شيئاً جديداً سوى ما ابتدعه أحمد بن تيمية في القرن الثامن الهجري وقد كاد أن يصير نسياً منسياً، ويذهب أدراج الرياح، غير أنّ بذورها لما كانت تقبع في طيات كتبه ورسائله، قام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي بتجديد العهد بها، وإحيائها مرة أُخرى بفضل سيف آل سعود في الشطر الثاني من القرن الثاني عشر إلى أوليات القرن الثالث عشر الهجري، أي من سنة 1160 إلى سنة 1207 هـ الّتي وافاه الأجل فيها، ثم تعاهد أبناؤه من بعده مع أبناء بيت قبيلة آل سعود فترة بعد فترة، على أن تكون الدعوة والإرشاد والتخطيط على أبنائه، والتطبيق والتنفيذ والسلطة على كاهل آل سعود، فلم تزل هذه المعاهدة باقية إلى يومنا هذا، غير أنها اتخذت في هذه الآونة لنفسها شكلا آخر، وهو أن القوة والسلطة كانت في بدء التأسيس آلة طيّعة بيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولكنه في عصرنا هذا تبدلت رأساً على عقب، فأصبحت السلطة الدينية أداة طيعة في يد آل سعود، يأتمرون بكل ما يلقى إليهم من البلاط السعودي والملك الحاكم من قبلهم على شبه الجزيرة العربية.
وهذه إحدى الصور الّتي تحكي لنا عن تراجع الوهابية عن مبادئها الأولية الّتي قامت على أعتابها يوم تأسيسها، وسنوافيك بما يحكي لك المزيد من ذلك .
________________________________________
(334)
نشأته ووفاته
اختلف المؤرخون في عام ولادته ووفاته، فمن قائل(1) بأنه ولد سنة 1111 هـ وتوفي عام 1207 هـ فيكون عمره ستاً وتسعين; إلى آخر(2) بانه ولد عام 1115 هـ وتوفي 1207 هـ فيكون قد ناهز إحدى وتسعين، نشأ وترعرع في بلده «العيينة» في نجد، وتلقى دروسه بها على رجال الدين من الحنابلة، ثم غادر موطنه ونزل المدينة المنورة ليكمل دروسه، يقول أحمد أمين المصري: «سافر الشيخ إلى المدينة ليتم تعلمه، ثم طاف في كثير من بلاد العالم الإسلامي، فأقام نحو أربع سنين في البصرة، وخمس سنين في بغدادن وسنة في كردستان، وسنتين في همدان، ثم رحل إلى إصفهان، ودرس هناك فلسفة الإشراق والتصوّف، ثم رحل إلى «قم» ثم عاد إلى بلده، واعتكف عن الناس نحو ثمانية أشهر، ثم خرج عليهم بدعوته الجديدة»(3) .
وقد ذكر كثير من المؤرخين تجواله وترحاله في هذه البلاد، منهم عبد الرزاق الدنبيلي في كتابه «مآثر سلطانية»(4)، والشيخ أبو طالب الإصفهاني الّذي كان معاصراً للشيخ محمد بن عبدالوهاب، فقد ذكر سفر الشيخ إلى إصبهان وإلى أكثر بلاد العراق وإيران، حتّى إلى «غزنين» الّذي هو بلد في أفغانستان(5) .
استشفاف بوادر الضلال من كلماته
إنّ الإنسان مهما كان ذكياً مواظباً على ستر عقيدته لا يتمكن من إخفائها في الفترة الّتي يكون فيها الوعي غائباً والذهن خاملا، وعند ذلك يبدو على صفحات وجهه وفلتات لسانه ما يكتمه ويخفيه في الأوعية، قال أميرالمؤمنين ـ عليه السَّلام ـ :
________________________________________
1. زيني دحلان: الدرر السنية: ص 42 طبع الآستانة وغيره .
2. أحمد أمين: زعماء الإصلاح في العصر الحديث، ص 10 بيروت، وقد أرّخ الآلوسي ولادته بـ 1111 هـ لكنه أرّخ وفاته بـ 1206 هـ .
3. نفس المصدر السابق: ص 10 .
4. مآثر سلطانية: ص 82 و...
5. ميرزا أبو طالب سفرنامه: ص 409 و...

________________________________________
(335)
«ما أضمر أحد شيئاً إلاّ في ظهر فلتات لسانه وصفحات وجهه»(1) وقد كان محمد بن عبدالوهاب ممن يتفرّس مشايخه وأساتذته فيه الضلال، حيث كان عندما يتردد إلى مكة والمدينة لأخذ العلم من علمائهما، وعندما كان يدرس على الشيخ محمد بن سليمان الكردي، والشيخ محمد حيات السندي كانا يتفرسان فيه الغواية والإلحاد، بل يتفرس غيرهما فيه مثل ذلك، وكان ينطق الكل بأنه سيضل اللّه تعالى هذا، ويضل به من أشقاه من عباده، حتّى أنّ والده عبدالوهاب ـ وهو من العلماء الصالحين ـ كان يتفرس فيه الإلحاد ويحذّر الناس منه، حتّى أنّ أخاه الشيخ سليمان ألف كتاباً في الرد على ما أحدثه من البدع والعقائد الزائفة، وكان محمد بن عبدالوهاب بادىء بدء كما ذكره بعض المؤلفين مولعاً بمطالعة أخبار من ادّعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذاب وسجاح، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي وأضرابهم(2).
يكتب ميرزا أبو طالب الإصفهاني وهو معاصره ويقول: أخذ في أول أمره عن كثير من علماء مكة والمدينة، وكانوا يتفرسون فيه الضلال والإضلال، وكان والده عبدالوهاب من العلماءالصالحين، وكان يتفرس فيه ذلك ويذمه كثيراً، يحذر الناس منه، وكذا أخوه سليمان بن عبد الوهاب أنكر عليه ما أحدثه، وألف كتاباً في الرد عليه، وكان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار مدّعي النبوة كمسيلمة و...»(3) .
لو صحّ هذا فهو يعرب عن أنّ محمد بن عبدالوهاب كان يضمر في مكامن ذهنه شيئاً يشاكل فعل هؤلاء المتنبئين، فصبّ ما أضمره في الدعوة الجديدة إلى التوحيد، وعاد يكفّر رجال الدين عامة في كافة العصور، وينسبهم إلى الجهل والضلال، وهذه سمة المبتدعين عامة.
انتقال عبد الوهاب إلى «حريملة»
ترك أبوه «العيينة» ونزل بلدة «حريملة» وبقي فيها إلى أن وافته المنيّة
________________________________________
1. نهج البلاغه، قسم الحكم 260 .
2. صدقي الزهاوي: الفجر الصادق ص 17 والسيد أحمد زيني دحلان: فتنة الوهابية ص 66 .
3. ميزرا أبو طالب: سفرنامه، ص 409 .

________________________________________
(336)
سنة 1143(1) ولم يكن راضياً عن ابنه، وطالما زجره ونهاه، ولمّا توفّي الوالد تجرّأ عليه أهل «حريملة» وهمّموا بقتله، فلم يجد بداً من الهرب إلى «العيينة» وهي مسقط راسه ودار نشأته، وقد تعاهد هو وأميرها «عثمان بن معمر» على أن يشد كلُّ أزر الآخر، فيترك الأمير للشيخ الحرية في إظهار الدعوة والعمل على نشرها، لقاء أن يقوم محمد بن عبد الوهاب بدوره بشتى الوسائل لسيطرة الأمير على نجد بكاملها، وكانت يومذاك موزعة إلى ست أو سبع إمارات منها إمارة العيينة(2) ولكن لكي تقوى الروابط بين الاثنين زوّج الأمير أُخته «جوهرة» من الشيخ، فقال له الشيخ: «إنى لآمل أن يهبك اللّه نجداً وعربانها»(3) .
هكذا بدأ التآلف بين الشيخ والأمير، واحدة بواحدة... مساومة ثم أخذ وعطاء، والثمن هو الدين والشعب، أمّا زواج الشيخ من «جوهرة» فتثبيت للتحالف، وضمان للوفاء... لقد سخر محمد بن عبد الوهاب الدين لأجل الدنيا، وتطوع لتعزيز حكمه دون أن يكون على يقين من عدله، أو يأخذ منه موثقاً لتحسين الأوضاع وراحة الناس، والعمل للصالح العام، بل على العكس، فقد وعده بملك نجد وعربانها... ولكن لا بالاقتراح وحرية تقرير المصير، بل بالحرب والغزو وبأشلاء الضحايا(4) .
أبعد ذلك يصحّ أن يعدّ الشيخ من المصلحين المجددين، وممّن له رسالة إنسانية كما عدّه نفر منهم أحمد أمين في كتابه زعماء الإصلاح في العصر الحديث، ومهما كان فإنّ التحالف بين الشيخ والأمير لم يطل عمره ولم يتم أمره، وما تمخّص إلاّ عن زواج الشيخ بجوهرة، وهدم قبر زيد بن الخطاب، وإثارة الفتن والقلاقل فقط ـ لم يطل عمر التحالف بين ابن عبد الوهاب والأمير ابن معمر ـ لأنّ سليمان الحميدي صاحب الأحساء والقطيف أمر عثمان بن معمر ـ وكان أقوى منه ـ أن يقتل الشيخ .
________________________________________
1. محمد جواد مغنية: هذه هي الوهابية ص 111 .
2. الآلوسي ـ السيد محمود: تاريخ نجد، ص 11 .
3. فيلبي ـ عبداللّه: تاريخ نجد، ص 36 .
4. مغنية ـ محمد جواد: هذه هي الوهابية ص 112 .

________________________________________
(337)
يقول عبداللّه فيلبي في تاريخ نجد: «قرر عثمان أن يتخلص من ضيفه، فطلب منه أن يختار المكان الّذي يريد الذهاب إليه، فاختار «الدرعية»، فأرسل عثمان معه رجلا اسمه فريد: وكلفه أن يقتل ابن عبد الوهاب في الطريق، ولكن فريداً خذلته إرادته، وترك الشيخ وقفل راجعاً دون أن يمسه بسوء(1) .
ويذكر السيد محمود شكري الآلوسي انتقال الشيخ من «عينية» إلى «حريملة» نحو ما مرّ ويزيد: خرج إلى «الدرعية» سنة: 1160 هـ وهي بلاد مسيلمة الكذاب(2) .
اتفاق الشيخ ومحمد بن سعود
ورد الشيخ إلى الدرعية في العام الّذي عرفت، وكان أميرها آنذاك محمد بن سعود جد السعوديين، وتمّ الاتفاق بين الأمير والشيخ على غرار ما كان قد تمّ بينه وبين ابن معمر في «العيينة»، فقد وهب الشيخ نجد وعربانها لابن سعود، كما وهبهما من قبل لابن معمر، ووعده أن تكثر الغنائم عليه والأسلاب الحربية الّتي تفوق ما يتقاضاه من الضرائب(3) على أن يدع الأمير للشيخ ما يشاء من وضع الخطط لتنفيذ دعوته .
وتقول الرواة: إنّ الأمير سعود بايع محمد بن عبد الوهاب على القتال في سبيل اللّه... ومعلوم انهما لم يفتحا بلداً غير مسلم في الشرق أو في الغرب، وإنما كانا يغزوان ويحاربان المسلمين الذين لم يدخلوا في طاعة ابن سعود، ولأجل ذلك قال الأمير لابن عبدالوهاب: «أبشر بالنصر لك ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد، لكن أُريد أن اشترط عليك اثنين:
أولا: إذا قمنا بنصرتك وفتح اللّه لنا ولك، أخشى أن ترحل عنّا وتستبدل بنا غيرنا فعاهده الشيخ أن لا يفعل .
________________________________________
1. فيلبي ـ عبداللّه: تاريخ نجد، ص 390 ط المكتبة الأهلية بيروت .
2. كشف الارتياب ص 13 ـ 14 نقلا عن كتاب تاريخ نجد لمحمود شكري الآلوسي .
. فيلبي: تاريخ نجد ص 39 .
________________________________________
(338)
ثانياً: إنّي أتقاضى من أهل «الدرعية» مالا وقت الثمار، وأخاف أن تمنع ذلك، فقال الشيخ: لعل اللّه يفتح الفتوحات فيعوضك اللّه من الغنائم ما هو أعظم منها»(1) .
وعلى هذا تم الاتفاق بين أمير «الدرعية» والشيخ .
إنّ بعض المستشرقين مثل «فيليب حتّى»(2) و «جولد تسيهر»(3) وغيرهما يذكرون أنه قد تقوّت الروابط بين الاثنين بمثل ما تقوّت بينه وبين أمير «عيينة» وزوّج محمد بن سعود ابنه عبدالعزيز من إحدى بنات محمد بن عبد الوهاب، ولا يزال العهد بين آل سعود وعائلة عبد الوهاب مستمراً إلى يومنا هذا، وإن اختلف مضمومنه مع استمرار التزاوج على نطاق وسيع(4) .
________________________________________
1. أبو علية ـ عبد الفتاح: محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى ص 13 ـ 14 .
2. فيليب حتّى: تاريخ العرب ج 2 ص 926 المترجم إلى الفارسية .
3. العقيدة والشريعة في الإسلام ص 267 ط مصر الطبعة الثانية .
4. جبران شامية: آل سعود ماضيهم ومستقبلهم، ط الرياض ص 23.
 

التعليقات   

 
+3 -1 # أبو عبد الله بلال رويبي 2015-08-26 19:27
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته :
قال الكاتب :
كانا يتفرسان فيه الغواية والإلحاد ( أي الشيخ محمد بن سليمان الكردي، والشيخ محمد حيات السندي )
أريد أن تبينوا صحة هذا الكلام من كتب الشيخين : الشيخ محمد بن سليمان الكردي، والشيخ محمد حيات السندي
و قال أيضا :
حتّى أنّ أخاه الشيخ سليمان ألف كتاباً في الرد على ما أحدثه من البدع والعقائد الزائفة
أريد منكم أن تذكروا لنا الكتاب الذي ألفه أخوه في الرد عليه
و أريد منكم أيضا أن تبينوا لنا البدع التي ابتدعها من كتبه المطبوعة و المنشورة في المكتبات حاليا
و أصلح الله حالنا و حال الجميع آمين
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 
 
+3 -2 # السيد جعفر علم الهدى 2015-11-27 23:34
قد نقل الكاتب مصدر هذا الكلام فراجع كتاب الفتنة الكبرى لأحمد زيني دحلان والفجر الصادق لصدقى الزهادي.
إسم الكتاب الذي ألّفه الشيخ سليمان أخو محمّد عبد الوهاب :
1. الصواعق الإلهيّة في الردّ على الوهابيّة طبع سنة 1306 هجرية في بومباي وطبع مرّة اُخرى سنة 1379 هجريّة ، واعتنى بطبعه حسين حلمي بن سعيد استانبولي يطلب من المكتبة ايشيق بشارع الشفقة 7 استانبول تركية.
2. فصل الخطاب ، وهو أوّل كتاب كتب في الردّ على الوهابيّة وانحرافاتهم ، ويستفاد منه أنّ أهمّ انحراف عند الوهابيّة هو تكفيرهم للمسلمين وإباحة دمائهم لمجرّد التوسّل وزيارة القبور والتبرّك بقبور النبي صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام والصالحين.
وللمزيد راجع كتاب كشف الارتياب للسيّد محسن الأمين.
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية