تكفير محمد بن عبد الوهاب جميع المسلمين

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 345 ـ 352
________________________________________
(345)
تكفير محمد بن عبد الوهاب جميع المسلمين
ولعلّ القارىء ينتابه الاستغراب مما نسبه إليه أخوه، ولكنه إذا رجع إلى مبادىء دعوته يسهل له التصديق بالنسبة، وإليك خلاصة رسالته تحت أربع قواعد:
________________________________________
(346)
الأُولى: إنّ الكفار الذين قاتلهم رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ مقرّون بأنّ (اللّه) هو الخالق الرازق المدبر، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام لقوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالأرضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبصَارَ... فَسَيَقُولُونَ اللّه فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)(1) .
الثانية: إنهم يقولون: ما دعونا الأصنام وما توجهنا إليهم الاّ لطلب القرب والشفاعة لقوله تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِياءَ مَا نَعْبُدُهُم اِلاّ لَيُقَرِّبُونا إلى اللّه زُلفَى)(2). وقوله: (وَيَعْبُدونَ مِنْ دُونِ اللّه مَالا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُم وَيَقُولُونَ هَؤلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّه)(3) .
الثالثة: إنّه ظهر (صلّى اللّه عليه وآله) على قوم متفرقين في عبادتهم، فبعضهم يعبد الملائكة، وبعضهم الأنبياء والصالحين، وبعضهم الأشجار والأحجار، وبعضهم الشمس والقمر، فقاتلهم ولم يفرق بينهم.
الرابعة : إنّ مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين، لأن أولئك يشركون في الرخاء، ويخلصون في الشدة، وهؤلاء شركهم في الحالتين لقوله تعالى:
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوا اللّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُم إلَى البَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ)(4) .
وهو لا يريد من قوله «إنّ مشركي زماننا أغلظ شركاً...» إلاّ المسلمين عامة، وذلك لأنهم يتوسلون بالنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ في شدتهم ورخائهم، ولذلك صاروا عنده أغلظ من مشركي عهد الرسالة .
ومما يؤخذ عليه فيما ذكره في القاعدة الثانية، وهي المحور الرئيس للضلالة، أنّ هناك فرقاً جلياً بين المسلمين وعبدة الأوثان والأصنام، فإنّ
________________________________________
1. سورة يونس: الآية 31 .
2. سورة الزمر: الآية 3 .
3. سورة يونس: الآية 18 .
4. محمد بن عبد الوهاب: رسالة أربع قواعد ص 1 - 4 ط مصر المنار، سورة العنكبوت: الآية 65 .

________________________________________
(347)
المسلمين يعبدون اللّه وحده، ولا يتوجّهون إلى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ إلاّ بقصد أن يدعو لهم عند اللّه، ويشفع لهم عنده، وأين هو من عبدة الطاغوت الذين كانوا يعبدون الأصنام ولا يعبدون اللّه، ويتوجهون إليها على أنها آلهة تملك ضرهم ونفعهم، وما هذه إلاّ مغالطة مفضوحة، وقد تكررت هذه الظاهرة في أكثر رسائله وكتبه، فإليك نتفاً منها في كتابه الآخر المسمى بكشف الشبهات الّذي فرض تدريسه على علماء الحرمين في بعض الفترات الّتي شهد لها التاريخ، حيث يقول في حق النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ :
1- «أرسله إلى أُناس يتعبّدون ويحجّون ويتصدقون ويذكرون اللّه كثيراً، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات بينهم وبين اللّه، يقولون نريد منهم التقرب إلى اللّه، ونريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة و عيسى و مريم وأُناس غيرهم من الصالحين(1) .
وفي هذه العبارة من المغالطة مالا يخفى، فقد حاول تزييف الحقيقة وقال: ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين اللّه، فقد ركز على التوسيط، مع أنهم عبدوهم أولا، واتخذوهم وسائط ثانياً، فالممنوع هو عبادة الغير لا توسيطه، فالشيخ يركز على مجرد الوساطة الّتي ليست ملاكاً لشركهم، ويترك ما هو الملاك لكفرهم، أعني عبادتهم. وعمل المسلمين على اتخاذ الوسيلة لا على عبادتها .
2- يقول في موضع آخر ما نصه:
«إنّ التوحيد الّذي جحدوه هو توحيد العبادة، الّذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، كما كانوا يدعون اللّه سبحانه ليلا و نهاراً، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من اللّه ليشفعوا له، أو يدعو رجلا صالحاً مثل اللات، أو نبياً مثل عيسى(2) .
فتراه كيف يستر الحقيقة فيقول: «ثم منهم من يدعو الملائكة أو يدعو
________________________________________
1. كشف الشبهات: ص 3 .
2. محمد بن عبدالوهاب: كشف الشبهات، ص 4، ط مصر بتصحيح محب الدين الخطيب .

________________________________________
(348)
رجلا صالحاً فيركز على الدعوة الّتي هي أعم من العبادة، مع أنّ منهم من يعبد الملائكة، أو يعبد رجلا صالحاً، وليس كلّ دعوة عبادة، وإلاّ فلا يوجد فوق البسيطة من يصحّ تسجيل اسمه في ديوان الموحدين، والرجل لأجل إثبات أنّ المسلمين في دعوة النبي والصالحين كهؤلاء المشركين في عبادة الملائكة والصالحين، يركز على كلمة «يدعو» ويترك كلمة «يعبد» فهناك فرق بين الدعوة والعبادة، وليس كل دعوة عبادة، ولا كل عبادة دعوة، بل بينهما من النسب عموم و خصوص من وجه، فلو كانت الدعوة تنبثق من ألوهية المدعو وربوبيته فتتّسم بالعبادة، ولو كان انبثاقها من أنه عبد من عباد اللّه ولكنه عبد عزيز عند اللّه تستجاب دعوته إذا دعا، فلا تكون الدعوة عبادة، بل يدور الأمر بين كونه مفيداً إذا كان مستجاب الدعوة، وغير مفيد، إذا لم يكن كذلك .
3- يقول أيضاً: «تحققت أنّ رسول اللّه قاتلهم ليكون الدعاء كله للّه، والذبح كله للّه، والنذر كله للّه، والاستغاثة كلها باللّه» .
أمّا كون الدعاء كله للّه فإن كان المراد به العبادة فلا غبار عليه، والمسلمون على هذا عن بكرة أبيهم، وإن كان المراد هو القسم الّذي لا يراد به العبادة فليس بمنحصر في اللّه، وما أكثر دعاء إنسان لإنسان وهذا هو الدعاء ورد في القرآن الكريم في غير مورد العبادة. قال سبحانه:
(قَالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيلا وَنَهَاراً)(1) .
وأمّا النذر فلا شك أنّ المسلمين ينذرون للّه سبحانه، ويذكرون لفظ الجلالة في إنشاء صيغته الدالة عليه، وقد أسهبنا القول في ذلك فيما مضى، والشيخ خلط بين اللام للغاية واللام للانتفاع، فلو استعملت في بعض الموارد لفظة اللام فإنما يراد منه الانتفاع، فلو قيل هذا نذر للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ أو للروضة المباركة، فالمراد هو إهداء ثوابه إلى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ أو انتفاع الروضة به .
________________________________________
1. سورة نوح: الآية 5 .
________________________________________
(349)
4- ويقول أيضاً:
«إنّ المشركين يقرّون بالربوبية وإن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء» .
يؤاخذ عليه أن كفرهم إنما لعبادتهم الملائكة والأنبياء لا لتعلقهم بها إذ ليس مجرد التعلق مع الاعتراف بعبوديتهم وعدم تفويض الأمر إليهم موجباً للتكفير .
5- ويقول أيضاً: «إنّ الذين قاتلهم رسول اللّه مقرّون بأن أوثانهم لا تدبّر شيئاً وإنما أرادوا منها الجاه والشفاعة»(1).
فترى أنه كيف يقلب الحقيقة، فلم يكن تكفيره لهم لأجل طلب الشفاعة، بل لعبادتهم أولا، ثم طلب الشفاعة منهم ثانياً، قال سبحانه:
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُم وَيَقُولُون هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّه)(2) .
6- ويقول: «إنّ اللّه كفّر من قصد الأصنام، وكفّر من قصد الصالحين، وقاتلهم رسول اللّه» .
كلاّ، إنّ رسول اللّه كفّر من عبد الصالحين، لا من قصدهم، فمن قصد الصالحين لطلب العلم والمال والدعاء لا يكون كافراً .
7- ويقول أيضاً ـ وهو يعلّم أتباعه كيف يناظرون المخالف ـ : اقرأ عليه: (ادعوا ربّكم تضرعاً وخفيةً إنه لا يحبّ المعتدين) فإذا أعلمته بهذا فقل له: هل علمت هذا عبادة للّه؟ فلا بد أن يقول نعم، والدعاء مخ العبادة، فقل له: إذا أقررت أنها عبادة، ثم دعوت تلك الحاجة نبياً أو غيره، هل أشركت في عبادة اللّه غيره؟ فلابد أن يقول نعم»(3) .
________________________________________
1. نفس المصدر السابق، ص 6 .
2. سورة يونس: الآية 18 .
3. نفس المصدر السابق .

________________________________________
(350)
والمغالطة في كلامه واضحة، فإنّ الدعاء في قوله: «ادعوا ربكم» مساوق للعبادة لا بمعنى أن الدعاة بمعنى العبادة، بل معناه أن الدعوة إذا انبثقت من الاعتقاد بالألوهية والربوبية تصير مصداقاً للعبادة، وجزءاً من جزئياته، كما أن المراد من قوله: «والدعاء مخ العبادة» هو أن الدعاء مخ العبادة، أو دعاء من يعتقد أنه ند للّه في جميع الشؤون أو بعضها مخ العبادة، وأين هو من دعوة الأنبياء والصالحين الذين لا يُدعَوْن إلاّ بعنوان أنهم عباد صالحون لا يعصون اللّه ما أمرهم وهم بأمره يعملون، ولا يملكون شيئاً لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً إلاّ بإذن اللّه، أفهل تكون الدعوتان متماثلتين حتّى تشتركا في الحكم؟
وإنك إذا تتبعت كلماته وجمله في هذا الكتاب يظهر لك أنه يحاول التضليل من طريق تشبيه توسل المسلمين ودعائهم، بعمل المشركين وعبدة الأوثان، بالتمسك بمشابهات ومشاركات بعيدة، وتناسى ما هو البون الشاسع بين الأُمتين والدعوتين .
قال زيني دحلان: كان محمد بن عبدالوهاب يخطب للجمعة في مسجد الدرعية ويقول في كل خطبة: ومن توسل بالنبي فقد كفر، وكان أخوه الشيخ سليمان ينكر عليه إنكاراً شديداً، فقال لأخيه يوماً: كم أركان الإسلام يا محمد؟ فقال: خمسة(1) فقال أنت جعلتها ستة: السادس: من لم يتبعك فليس بمسلم، هذا عندك ركن سادس للإسلام .
وقال رجل آخر: كم يعتق اللّه كل ليلة في رمضان؟ فقال له: يعتق في كل ليلة مائة ألف، وفي آخر ليلة، يعتق مثل ما أعتق في الشهر كله، فقال له: لم يبلغ من اتّبعك عشر ما ذكرت، فمن هؤلاء المسلمون الذين يعتقهم اللّه تعالى، وقد حصرت المسلمين فيك وفي من اتّبعك؟ فبهت الّذي كفر .
ولما طال النزاع بينه وبين أخيه فخاف على نفسه، فارتحل إلى المدينة المنورة، وألّف رسالة في الرد على محمد بن عبدالوهاب وأرسلها له، فلم

________________________________________
1. يشير إلى ما رواه البخاري في كتاب الإيمان .
________________________________________
(351)
ينته، وألّف كثير من علماء الحنابلة وغيرهم رسائل في الردّ عليه وأرسلوها إليه، فلم ينته(1) .
ويقول جميل صدقي الزهاوي: كان محمد بن عبدالوهاب يسمي جماعته من أهل بلده، الأنصار; وكان يسمي متابعيه من الخارج، المهاجرين; وكان يأمر من حج حجة الإسلام قبل اتّباعه أن يحج ثانياً قائلا إنّ حجتك الأُولى غير مقبولة لأنك حججتها وأنت مشرك، ويقول لمن أراد أن يدخل في دينه: اشهد على نفسك أنك كنت كافراً، واشهد على والديك أنهما ماتا كافرين، واشهد على فلان وفلان (يسمي جماعة من أكابر العلماء الماضين) أنهم كانوا كفاراً.
فإن شهد بذلك قبله، وكان يصرّح بتكفير الاُمة منذ ستمائة سنة، ويكفّر كل من لا يتبعه وإن كان من أتقى المسلمين، ويسميهم مشركين، ويستحل دماءهم وأموالهم، ويثبت الإيمان لمن اتّبعه .
وكان يكره الصلاة على النبي بعد الأذان، وينهى عن ذكرها ليلة الجمعة وعن الجهر بها على المنابر، ويعاقب من يفعل ذلك عقاباً شديداً، حتّى أنه قتل رجلا أعمى مؤذناً لم ينته عن الصلاة على النبي بعد الأذان، ويلبس على أتباعه أن ذلك كله محافظة على التوحيد .
كان قد أحرق كثيراً من كتب الصلاة على النبي، كدلائل الخيرات وغيرها، وكذلك أحرق كثيراً من كتب الفقه والتفسير والحديث مما هو مخالف لأباطيله
(2) .
قال أحمد زيني دحلان: إنّ الوهابيين أرسلوا في دولة الشريف مسعود بن سعيد بن زيد المتوفى سنة 1165 هـ ثلاثين نفراً من علمائهم فأمر الشريف أن يناظرهم علماء الحرمين، فناظروهم فوجدوا عقائدهم فاسدة، وكتب قاضي الشرع حجة بكفرهم فأمر بسجنهم، فسجن بعضهم وفرّ الباقون .
ثم في دولة الشريف أحمد المتوفى سنة 1195 هـ أرسل أمير الدرعية بعض

________________________________________
1. السيد أحمد بن زيني دحلان: الدرر السنية في الرد على الوهابية، ص 39 ـ 40 .
2. صدقي الزهاوي: الفجر الصادق، ص 17 ـ 18 .

________________________________________
(352)
علمائه فناظرهم علماء مكة وأثبتوا كفرهم، فلم يأذن لهم بالحج(1) .
وقال أيضاً: لما منع الناس من زيارة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ خرج ناس من الأحساء وزاروا النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وبلغه خبرهم، فلما رجعوا مرّوا عليه بالدرعية، فأمر بحلق لحاهم، ثم أركبهم مقلوبين من الدرعية إلى الأحساء .
وبلغه مرة أن جماعة قصدوا الزيارة والحج، وعبروا على الدرعية، فسمعه بعضهم يقول لتابعيه: خلّوا المشركين يسيرون طريق المدينة، والمسلمون (أتباعه) يخلفون معنا
(2) .
________________________________________
1. السيد محسن الأمين: كشف الارتياب، ص 15 ـ نقلا عن خلاصة الكلام .
2. الشيخ أحمد بن زيني دحلان: الدرر السنية، ص 41 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية