تنبيهات حول عقائد ابن تيمية

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 127 ـ 135
________________________________________
(127)
وفي الختام نذكر أُموراً:
الأول:
إنّ ابن تيمية وإن تستّر بقوله (بما يناسب ساحته) ونظيره، ولكنّه أظهر عقيدته الواقعية في مجالات خاصة، وهذا ابن بطوطة ينقل في رحلته: «وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون، إلاّ أنه كان في عقله شيء، وكان أهل دمشق يعظمونه أشد التعظيم، ويعظهم على المنبر، وتكلم مرة بأمر أنكره الفقهاء.. ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة، وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر، وتكلم شرف الدين الزوادي المالكي وقال: إنّ هذا الرجل قال كذا وكذا، وعدّد ما أنكر على ابن تيمية، وأحضر الشهود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة.
قال قاضي القضاة لابن تيمية: ما تقول؟ قال: لا إله إلاّ اللّه، فأعاد عليه فاجاب عليه بمثل قوله، فامر الملك الناصر بسجنه، فسجن أعواماً، وصنّف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سماه بالبحر المحيط .
ثم إنّ أُمه تعرضت للملك الناصر، وشكت إليه فأمر بإطلاقه إلى أن

________________________________________
1. كلام الإمام ابن دقيق العيد، كما في فرقان القرآن ص 97 .
________________________________________
(128)
وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق. فحضرته يوم الجمعة، وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إنّ اللّه ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه، وضربوه بالأيدي والمنال ضرباً كثيراً»(1).
* * *
الثاني: إنّ ابن تيمية ومن لفّ لفّه يستدلون على مقالتهم بالقياس، ويقولون: إنّ الوجه، والعين، واليدين، والقدمين والساق صفات مثل سائر الصفات، كالحياة والعلم والإرادة، فكما أنّ له سبحانه حياة لا كحياة الإنسان، فهكذا صفاته الخبرية، فله وجه لا كالوجوه، ويد لا كالأيدي، ورجل لا كالرجل .
يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال بالقياس في مجال العقائد أشد خطأ من الاستدلال به في المسائل الفقهية، وعلى فرض الصحة فالقياس مع الفارق، وذلك أنّ كلا من العلم والقدرة موضوع لمعنى غير متقيد بالجسم والمادة، فالعلم من ينكشف لديه المعلوم، والقادر من يستطيع على الفعل عن اختيار، فلأجل ذلك لكل واحد منهما مراتب ودرجات، فمنه حصولي ومنه حضوري، فمنه زائد على الذات، ومنه عين الذات، وأمّا الصفات الخبرية كالوجه فإنها موضوعة على الموجود المادي الّذي له شكل خاص، ولو كانت له مصاديق متفاوتة كوجه الإنسان والفرس والأسد فإنما هي في إطار الجسم المادي، فالوجه بأي نحو أطلق يجب أن يكون موجوداً مادياً متهيئاً بهيئة خاصة، فالوجه الفاقد للمادة والهيئة، ليس وجهاً لغة، ومثله الرجل واليد، فالقول بأنّ له سبحان يداً لا كالأيدي، إن أُريد منه التأويل، أي تأويله بالقدرة، فهذا هو الّذي ذهب إليه أهل التنزيه، وإن أُريد به المعنى اللغوي بلا تدخل ولا تصرف، ومع ذلك فهو يفقد المادة والهيئة والشكل فهذا أشبه بالتناقض.
* * *
________________________________________
1. ابن بطوطة: الرحلة ص 95 ـ 96 طبع دار صادر (1384 هـ ).
________________________________________
(129)
الثالث: إنّ ابن تيمية ينسب إلى السلف بأنّهم لا يؤوّلون ظواهر الكتاب في مجال الصفات الخبرية، ثم يستنتج منه أنهم يحملونها على ظواهرها اللغوية، ويقولون: إنّ للّه وجهاً ويداً ورجلا، ونزولا ونقلة بنفس معانيها اللغوية، غاية الأمر أنّ الكيف مجهول .
يلاحظ عليه: أنّ ما نسب إلى السلف إذا كان صحيحاً يهدف إلى توقّفهم في تعيين المراد وتفويض الأمر إلى اللّه، إذ في الأخذ بالظاهر اليدوي مغبة الجهة والتجسيم، وفي تعيين المراد مظنة التفسير بالرأي، فكانوا لا يخوضون في هذه الأبحاث الخطرة، وأمّا أنهم يحملونها على ظواهرها ويفسرونها بنفس معانيها الابتدائية التصورية، كما زعمه ابن تيمية، فهو افتراء على المثبتين منهم .
نعم، كان أهل التحقيق يخوضون في هذه المباحث ويعينون المعنى المراد، وهذا ما يطلق عليه التأويل، ولكن التأويل صحيح على وجه، وباطل على وجه آخر، فإن كان هناك شاهد عليه في نفس الآية والحديث، أو كان التأويل من قسم المجاز البيّن الشائع، فالحق سلوكه من غير توقف، وإن لم يكن في النصوص عليه شاهد، أو كان من المجاز البعيد، فهذا هو التأويل الباطل، وهو يلازم الخروج عن الملة والدخول في الكفر والإلحاد.
كما أنّ التأويل بلا قيد و شرط كفر وضلال، كما عليه الباطنية، فهكذا التعبد بالظواهر الابتدائية والمعاني التصورية، وعدم الاعتناء بالقرائن المتصلة أو المنفصلة أيضاً كفر وضلال وتعبّد بالتجسيم والتشبيه.
إنّ المتحرّي للحقيقة يتبع الحق ولا يخاف من الإرهاب والإرعاب، ولا من التنابز بالألقاب، فلا يهوله ما يسمع من ابن تيمية وابن عبدالوهاب من تسمية المنزهين للحق عن الجهة والمكان، معطّلة وجهمية، وتلقيب القائلين ببدع اليهود والنصارى بالموحدين والمثبتين، فلا يصرفنّك النبز بالألقاب إلى الإنحراف عن الحق الصراح، الّذي أرشدك إليه كتاب اللّه وسنة رسوله القويمة، والعقل الّذي به عرفت اللّه سبحانه، وبه عرفت رسله ومعاجزه وآياته .
________________________________________
(130)
ومما يدل على أنّ السلف لا يحملون الصفات الخبرية على ظواهرها، بل لا يتكلمون ويفوضون الأمر إلى اللّه، هو ما نقل عن عالم المدينة مالك بن أنس عندما سئل عن قوله سبحانه: (ثمَّ استوى على العرش)أنّه كيف استوى؟ قال: الإستواء معلوم، والكيف غير معقول(1). نعم إنّ ابن تيمية وأبناء الوهابية يحكون عنه أنّه قال: «الكيف مجهول»، والفرق بين العبارتين واضح، فالأول يهدف إلى التنزيه، والثاني يناسب التجسيم، إذ معناه أنّ لاستوائه على العرش كيفية من الكيفيات ولكنها مجهولة لنا. ويدل على أن الوارد هو «غير معقول» ما جاء في ذيل الرواية أنّ مالك بعدما سمع السؤال وأجاب بما ذكرناه، علته الرحضاء، أي العرق الكثير وقال: «ما أظنك إلاّ صاحب بدعة» وما ظنّه كذلك إلاّ لأنّ سؤاله كان عن الكيفية، فأحس أن السائل يريد إثبات الكيفية لاستوائه سبحانه، فأخذته الرحضاء من سؤاله واعتقاده .
* * *
الرابع: إنّ ابن تيمية يكرر كثيراً استواءه سبحانه على العرش، ويعتمد على ظاهره، ويتخيل أنّ الإستواء بمعنى الاستقرار أو الجلوس، ولكنّه تستراً لمذهبه، يضيف إليه «بلا تكييف» ولأجل رفع الستر عن معنى الآية نأتي بكلام شيخ السلف من المفسرين أبي جعفر الطبري، ولا يشك أحد في أنّه سلفي، فهو يقول:
الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه:
1- انتهاء شباب الرجل وقوته، ويقال: إذا صار كذلك قد استوى الرجل .
2- استقامة ما كان فيه أود من الأُمور والأسباب. يقال: استوى لفلان أمره إذا استقام له بعد أود، ومنه قول الطرماح:
________________________________________
1. نقله الذهبي في كتابه «العلو» عن مالك وشيخه ربيعة، كما نقله أيضاً بالسند عن أبي عبداللّه الحاكم وابن زرعة، لاحظ فرقان القرآن ص 14 ـ 15 ونقله عن الإلكائي في شرح السنة.
________________________________________
(131)
طال على رسم محدد أبده * وعفا واستوى به بلده
يعني استقام به .
3- الإقبال على الشيء بالفعل، كما يقال: استوى فلان على فلان، بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه .
4- الاختيار والاستيلاء، كقولهم: استوى فلان على المملكة، أي احتوى عليها وحازها.
5- العلو والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوه عليه .
ثم قال: وأولى المعاني بقول اللّه جلّ ثناؤه: (ثمّ استوى إلى السماء فسوّاهنّ): علا عليهن وارتفع، قد برهن بقدرته وخلقهن سبع سماوات(1) .
وهذا الشيخ السلفي لا يفسر الاستواء على العرش، بالجلوس ولا بالاستقرار، بل بعلو الملك والسلطان، كما هوالمراد من قوله سبحانه:(وَهُوَ العَلِىّ العَظِيمُ)(2)، والعرب الذين نزل القرآن بلغتهم لا يفهمون من الاستواء إذا وقع وصفاً لموصوف بالقدرة والعظمة، سوى العلوّ، قال الشاعر:
قد استوى بِشْرٌ على العراقِ * من غير سيف ودم مهراق
وقال الآخر:
ولما علونا واستوينا عليهم * تركناهم مرعىً لنسر وكاسر
والأسف أنّ ابن تيمية وأتباعه إذ فسروا الاستواء بالعلو، يفسرونه بالعلو بالمكان، ولا يدرون أن الفضيلة والكرامة في العلو المعنوي لا العلو المكاني، فما قيمة العلو في المكان إذا لم يكن هناك علو معنوي، وهذا هو القرآن يركّز على العلو المعنوي، ويقول: (وَلاَ تَهِنُوا وَ لاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَونَ إن كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ)(3)، وقال سبحانه: (ألاّ تَعْلُوا عَلَىّ وَ أْتُوني
________________________________________
1. تفسير الطبري ج 1 ص 150، سورة البقرة الآية 29 ط دارالمعرفة .
2. سورة البقرة: الآية 255 .
3. سورة آل عمران: الآية 139 .

________________________________________
(132)
مُسْلِمينَ))(1) وقال سبحانه: (إنّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ وَجَعَلَ أهْلَهَا شِيَعاً)(2) وقال تعالى: (وَ أنْ لاَ تَعْلُوا عَلَى اللّه إنّي آتِيْكُم )بِسُلطَان مُبِين)(3) وقال: (لاَ تَخَفْ إنّكَ أَنْتَ الأعْلَى)(4) .
هذا كلّه حول الاستواء، وأمّا العرش فهو سرير الملك الّذي يجلس عليه للحكم، وهذا هو أصل الوضع، ثم يكنّى به عن السلطة والسيطرة، حتّى صار يستعمل في هذا المعنى ولا ينصرف إلى المعنى اللغوي، فإذا كان الملك آخذاً بزمام الأُمور ومسيطراً على البلد وأهله يقال: استوى على العرش، أو هو مستو عليه، وإذا كان ضعيفاً في الإدارة غير نافذ أمره في البلد وأهله، وكان هناك انتفاضة بعد انتفاضة، يقال: إنّه غير مستو على عرشه .
ومن تتبّع القرآن الكريم وأمعن النظر في الموارد الّتي ورد فيها استواؤه سبحانه على العرش في موارد متعددة يجد أنّه ذكر مقروناً بفعل من أفعاله، دال على غناه المطلق، مثل رفع السماوات بغير عمد، قال سبحانه: (اللّهُ الّذي رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَها، ثُمَّ استَوى عَلَى العَرْشَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ)(5)، أو (خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أيّام) .
وإليك الآيات الّتي جاء فيها هذا الأمر، قال سبحانه: (إنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَ الأرضَ في سِتَّةِ أيّام، ثُمَّ اسْتوى عَلَى العَرْشِ، يُغشي اللَّيلَ النَّهارَ)(6) وقال سبحانه: (اللّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَ الأرضَ فِي سِتَّةِ أيّام، ثُمّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأمرَ، ما مِنْ شَفِيع إلاّ مِنْ بَعْدِ إذنِهِ)(7)، وقال سبحانه: (اللّهُ الّذي خَلَقَ السّمواتِ وَ الأرضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
________________________________________
1. سورة النمل: الآية 31 .
2. سورة القصص: الآية 4 .
3. سورة الدخان: الآية 19 .
4. سورة طه: الآية 68 .
5. سورة الرعد: الآية 2 .
6. سورة الأعراف: الآية 54 .
7. سورة يونس: الآية 3 .

________________________________________
(133)
في سِتَّةِ أيّام، ثُمّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرّحمنُ فَسْئلْ بِهِ خَبِيراً))(1) وقال سبحانه: (اللّهُ الّذي خَلَقَ السّمواتِ وَ الأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أيّام ثُمّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِىٍّ وَ لاَ شَفيع أفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ)(2) وقال سبحانه: (هُوَ الّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَ الأرْضَ فِي سَتَّةَ أيّام ثُمّ استَوى عَلَى العَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْها وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السّماءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيها)(3) .
والناظر في هذه الآيات يرى أنّه سبحانه عندما يذكر استواءه على العرش يذكر آثار قدرته وعظمته من خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وتدبيره الأمر «يدبّر الأمر»، وأنّه لا مؤثّر ولا موجد إلاّ بإذنه «ما من شفيع إلاّ من بعد إذنه»، ومن علمه الوسيع بما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. كلّ ذلك يعرب عن أنّ الآية في جميع الموارد تهدف إلى علوّه سبحانه على عالم الوجود الإمكاني، وأنّه بجملته في سلطانه وقدرته، ولا يخرج شيء من حيطة قدرته، وأين هذا من تفسيره بالجلوس على العرش فوق السماوات ناظراً إلى ما دونه.(تَعَالَى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً).
ولو تتّبع المعاصرون المنتمون إلى السلف يجدون خير السلف كالطبري(4) يفسر «الواسع» في قوله: (واللّهُ وَاسعٌ عَلِيم)(5) ويقول: واللّه واسع الفضل، جواد بعطاياه، فزوّجوا إماءكم فإنّ اللّه واسع يوسع عليهم من فضله إن كانوا فقراء، كما أنّ الشيخ البخاري يفسر الوجه في قوله: (كُلُّ شَىء هَالِكٌ إلاّ وَجْهَهُ) بالملك(6) .
* * *
________________________________________
1. سورة الفرقان: الآية 59 .
2. سورة السجدة: الآية 4 .
3. سورة الحديد: الآية 4 .
4. تفسير الطبري ج 18 ص 98 .
5. سورة النور: الآية 32 .
6. صحيح البخاري ج 6 ص 112، تفسير سورة القصص، الآية 88 .

________________________________________
(134)
الخامس:إنّ الفرقة المشبهة ليست وليدة عصرنا هذا، بل لها عرق ممتدّ إلى زمن التابعين، الّذي كثرت فيه مسلمة اليهود والنصارى، فأدخلوا في الأحاديث ما يروقهم من العقائد، فتأثر بهم السذّج من المسلمين والمحدثين، فأولئك هم المعروفون بالحشوية نسبة إلى الحشو (بسكون الشين) وهو اللغو الّذي لا اعتبار له، فضلا عن أن يكون منسوباً إلى اللّه ورسوله، أو مذهباً يدان اللّه به، وما زال أهل الحق لهم بالمرصاد.
وقد كان القول بالتجسيم والتشبيه ردّ فعل لما كان عليه علىّ ـ عليه السَّلام ـ وأولاده من الدعوة إلى التنزيه، والاجتناب عن التشبيه، في مجال الحق وذاته وصفاته، نعم حكي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: «أتانا من المشرق رأيان خبيثان، جهم معطّل ومقاتل مشبّه، فأفرط جهم في النفي (نفي الصفات الجسمانية) حتّى قال: «وإنّ اللّه ليس بشيء» وافرط مقاتل في الإثبات، حتّى جعل اللّه تعالى مثل خلقه»(1) .
ولكن الإمام أبا حنيفة تسامح في نسبة التجسيم إلى مقاتل، بل لها جذور في الأحاديث المروية في الصحاح والمسانيد التي دسها مسلمة اليهود والنصارى في الأحاديث، وكثير من المحدثين راقتهم تلك الأحاديث، وبما أنّ عليّاً وابناء بيته الطاهر كانوا على التنزيه، وهذه خُطَبهُ الرفيعة الرائعة في تنزيه الحق، حاولت السلطة الأموية أنْ تُروّج كل حديث يتضمّن ضدّ ما كان عليه عليّ، ويُحترم كل محدث يجنح إلى بثّ هذه الخرافات .
السادس: إنّ أتباع ابن تيمية ومن كان على ذاك الخطّ قبله من الحشوية، يفرّون من الاستدلال والبرهنة وعلم الكلام والمناظرة، ويحرّمون الاستماع إلى البراهين العقلية والمجادلة بالتي هي أحسن، ولكنّه من تمويهاتهم الّتي يريدون بها دعم مبادئهم وصيانتها عن النقد والإشكال، وكأنهم لم يسمعوا قول اللّه سبحانه:
(...قُلّ هَاتُوا بُرْهَانَكُم إنْ كُنْتُم صَادِقين)(2) أو قوله سبحانه:
________________________________________
1. تهذيب التهذيب ج 10 ص 281 ترجمة مقاتل .
2. سورة البقرة: الآية 111 .

________________________________________
(135)
(الّذين يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَه...)(1) أو قوله سبحانه: (ادعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بَالْحِكْمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِىَ أحسنُ)(2).
والكل يهدف إلى أنّ المسلم الواعي إنّما يتّبع البرهان ولا يعرض عنه، ولا يعطّل عقله حتّى يميّز الأحسن عن غيره، ويجادل المخالف بالبرهان والدليل. نعم لو أُريد من علم الكلام، المراء والجدال وكسب العظمة والمقام، فلا شك أنّه مرغوب عنه .
نعم، ليس لهم هدف من تحريم البحث والنظر إلاّ الستر لعوار بدعهم، وعقائدهم الباطلة، ولا يجحد النظر في العقائد إلاّ أحد رجلين: رجل غبىّ يشق عليه سلوك أهل التحصيل والناس أعداء ما جهلوا، ورجل يعتقد بمذاهب فاسدة يخاف من ظهور عوار مذهبه وفضائح عقيدته .
هذا قليل مما ذكره ابن تيمية وأتباعه في الصفات الخبرية، ولو أردنا أن نستقصي كلمات الرجل في المقام لطال بنا الكلام، ولنكتف بهذا المقدار، وقد عرفت الحق، والحق أحق أن يتّبع .
________________________________________
1. سورة الزمر: الآية 18 .
2. سورة النحل: الآية 125 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية