ابن تيمية والحلف بغير اللّه تعالى

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 300 ـ 303
________________________________________
(300)
(10)
ابن تيمية والحلف بغير اللّه تعالى
إنّ من المسائل المهمة عند الوهابيين هو الحلف بغير اللّه، وذهب ابن تيمية إلى كونه شركاً، اعتماداً على ما رواه الترمذي: «من حلف بغير اللّه فقد أشرك» وتحقيق الحق يتوقف على توضيح الأُمور التالية:
1- هل اليمين الفاصل في الدعاوي هو الحلف باللّه، أو يعمه وغيره؟
2- هل ينعقد اليمين بالحلف بالنبي مثلا، بحيث لو حنث لزمته الكفارة أو لا؟
3- هل يجوز الحلف بغير اللّه سبحانه أولا؟

وإليك نقل أقوال أئمة المذاهب الفقهية في المجالات المتقدمة:
أ - ما هو الحلف الفاصل في الخصومات؟
أمّا فقهاء الشيعة فقد اتفقت كلمتهم على أن اليمين الفاصل في الخصومات هو الحلف باللّه وأسمائه. قال المحقق الحلي: لا يستحلف أحد إلاّ باللّه ولو كان كافراً، فلا يجوز الإحلاف بغير أسماء اللّه سبحانه، كالكتب المنزلة، والرسل المعظمة، والأماكن المشرفة(1) وأمّا السنّة فلم أجد لهم نصاً في خصوص هذه المسألة في الكتب الفقهية، نعم يعلم حكمها مما سنذكره عنهم في المسألتين التاليتين .
________________________________________
1. جواهر الكلام، في شرح شرائع الإسلام، ج 40 ص 225 .
________________________________________
(301)
ب ـ هل ينعقد الحلف بغيره سبحانه؟
قال ابن تيمية: وقد اتفق العلماء على أنّه لا ينعقد اليمين بغير اللّه، ولو حلف بالكعبة أو بالملائكة أو بالأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ لم تنعقد يمينه، ولم يقل أحد إنه ينعقد اليمين بأحد من الأنبياء، فإنّ عن أحمد في انعقاد اليمين بالنبي روايتين، لكن الّذي عليه الجمهور كمالك والشافعي، وأبي حنيفة أنه لا ينعقد اليمين به، كإحدى الروايتين عن أحمد، وهذا هو الصحيح(1) .
وقال ابن قدامة في المغني: ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق كالكعبة والأنبياء وسائر المخلوقات، ولا تجب الكفارة بالحلف فيها... وهو قول أكثر الفقهاء، وقال أصحابنا: الحلف برسول اللّه يمين موجبة للكفارة، وروي عن أحمد أنه قال: إذا حلف بحق رسول اللّه وحنث فعليه الكفارة. قال أصحابنا: لأنه أحد شرطي الشهادة، فالحلف به موجب للكفارة، كالحلف باسم اللّه(2) .
وبالإمعان في كلام ابن قدامة يظهر عدم صحة ما ذكره ابن تيمية من أنه «اتفق العلماء على أنه لا ينعقد اليمين بغير اللّه» وأين هو من قول ابن قدامة: «قال أصحابنا: الحلف برسول اللّه يمين موجبة للكفارة؟ وهو وابن قدامة كلاهما حنبليان، وبما أن المسألة فقهية لا نستعرضها أزيد من ذلك، وإنما نركز البحث على المسألة الثالثة .
ج ـ هل يجوز الحلف بغير اللّه أو لا؟
هذه المسألة هي الّتي عقدنا الفصل لبيان حكمها. قال ابن تيمية: «لا يشرع ذلك بل ينهى عنه إمّا نهي تحريم وإمّا نهي تنزيه، وإنّ للعلماء في ذلك قولين، والصحيح أنه نهي تحريم، وفي الصحيح عنه (صلى اللّه عليه وآله) أنه قال: من كان حالفاً فليحلف باللّه أو ليصمت، وفي الترمذي أنه قال: من
________________________________________
1. مجموعة الرسائل والمسائل: ج 1 ص 209 .
2. المغني لابن قدامة: ج 11 ص 17 .

________________________________________
(302)
حلف بغير اللّه فقد أشرك(1) .
وقال الصنعاني: إنّ الحلف بغير اللّه شرك صغير(2)، وقال ابن قدامة: ولا يجوز الحلف بغير اللّه وصفاته، نحو أن يحلف بأبيه أو الكعبة أو صحابي أو إمام. قال الشافعي: أخشى أن يكون معصية. قال ابن عبد البر: وهذا أصل مجمع عليه، وقيل; يجوز ذلك لأنّ اللّه تعالى أقسم بمخلوقاته فقال: «والصّافّات صفّاً، والمرسلات عرفاً، والنازعات غرقاً»، وقال النبي للأعرابي السائل عن الصلاة: «أفلح وأبيه إن صدق» وفي حديث أبي الشعراء: «وأبيك لو طعنت في فخذها لأجزاك» ثم إن لم يكن الحلف بغير اللّه محرّماً فهو مكروه، فإن حلف فليستغفر اللّه تعالى، أو ليذكر اللّه تعالى، كما قال النبي: من حلف باللاّت والعزّى فليقل: لا إله إلاّ اللّه(3) .
أنت ترى أنّ ابن تيمية وتلميذ منهجه الشيخ الصنعاني أفتيا بالحرمة، ولكن الظاهر من عبارة ابن قدامة أن المسألة مما اختلف فيه الفقهاء، فهم بين محرّم ومجوّز، حتّى أنّ الشافعي قال: أخشى أن يكون معصية، وإذ كانت المسألة على هذا المستوى من الاختلاف، فهل يجوز تكفير الحالف بمثل هذه المسألة؟ مع أنّ أكثر الفقهاء قائلون بالجواز.
قال في الفقه على المذاهب الأربعة: «إذا قصد الحالف إشراك غير اللّه معه في التعظيم ففيه تفصيل في المذاهب، ثم ذكر التفصيل بالنحو الآتي»:
«الحلف بالطلاق نحو: علىّ الطلاق: إن فعلت كذا، جائز بدون كراهة، ويلزمه الطلاق إذا كان الغرض منه الوثيقة، أي وثوق الخصم بصدق الحالف، جاز بدون كراهة. وإذا لم يكن الغرض منه ذلك، أو كان حلفاً على الماضي فإنه يكره، وكذلك الحلف (بنحو وأبيك ولعمرك) .
وقالت الشافعية: يكره الحلف بغير اللّه إذا لم يقصد شيئاً مما ذكر في أعلى الصحيفة، ويكره الحلف بالطلاق .

________________________________________
1. مجموعة الرسائل والمسائل: ج 1 ص 17 .
2. تطهير الاعتقاد، ص 14 .
3. المغني لابن قدامة: ج 11 ص 163 (كتاب الأيمان) طبع دارالكتاب العربي ـ بيروت .

________________________________________
(303)
وقالت الحنابلة: يحرم الحلف بغير اللّه وصفاته، ولو بنبي أو ولي، ويكره الحلف بالطلاق والعتاق والمشهور الحرمة»(1) .
فعلى ضوء هذا فقد أفتى الحنابلة من بين المذاهب الأربعة بالحرمة، وذهبت الحنفية والشافعية إلى الجواز وللمالكية قولان .
هذه هي الأقوال في المسألة، وإليك تحليلها فقهياً واجتهاداً:
________________________________________
1. الفقه على المذاهب الأربعة، ج 2 (كتاب اليمين)، ص 75 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية