عرض مذهب الماتريدي

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 25 ـ  27
________________________________________
(25)
10 ـ عرض مذهب الماتريدي:
ولا نهدف في هذا الفصل إلى عرض كلّ ما يعتقد به الماتريدي في مجال العقائد والاُصول، فإنّ قسماً من عقائده هو عين عقيدة أهل الحديث والأشعري، وقد عرضنا
________________________________________
(26)
عقائدهم في الجزء الأول من هذه السلسلة، وإنّما نقوم ببيان الاُصول المهمّة الّتي افترق فيها عن الأشعري، مع الاعتراف بأنّ الماتريدي يتدرّع في بعض الموارد بنفس ما يتدرّع به الأشعري، ومن هذا الباب تصحيح القول بالرؤية، فإنّ القول برؤيته في النشأة الآخرة ملازم لكونه سبحانه محاطاً وواقعاً في جهة ومكان، ومن أجل ذلك قام العلمان في دفع الإشكال على نمط واحد، وهو أنّ الرؤية تقع «بلا كيف» أو ما يفيد ذلك، حتّى يُرضيا بذلك أهل النقل والعقل.
قال ابن عساكر: «قالت الحشويّة المشبِّهة: إنّ اللّه سبحانه وتعالى يرى مكيّفاً محدوداً كسائر المرئيات، وقالت المعتزلة والجهمية والنجارية: إنّه سبحانه لا يرى بحال من الأحوال فسلك الأشعري طريقاً بينهما فقال: يرى من غير حلول، ولا حدود، ولا تكييف، كما يرانا هو سبحانه وتعالى، وهو غير محدود، ولا مكيّف»(1).
وقد نقلنا نصوص نفس الأشعري في موضع الرؤية عند عرض عقائده(2).
وقال الماتريدي في ذلك البحث: «فإن قيل: كيف يرى؟ قيل: بلا كيف، إذ الكيفيّة تكون لذي صورة، بل يرى بلا وصف قيام وقعود، واتّكاء وتعلّق، واتّصال وانفصال، ومقابلة ومدابرة، وقصير وطويل، ونور وظلمة، وساكن ومتحرِّك، ومماسّ ومباين، وخارج وداخل، ولا معنى يأخذه الوهم، أو يقدره العقل، لتعاليه عن ذلك»(3).
يلاحظ عليه: أنّ الرؤية بهذه الخصوصيّات إنكار لها، وأشبه بالأسد بلا ذنب، ولارأس.
والّذي تبيّن لي بعد التأمّل في آرائه في كثير من المسائل الكلاميّة، أنّ منهجه كان يتمتّع بسمات ثلاث:
1ـ الماتريدي أعطى للعقل سلطاناً أكبر، ومجالاً أوسع، وذلك هو الحجر الأساس
________________________________________
1. تبيين كذب المفتري لابن عساكر: ص 149 ـ 150. 2. لاحظ الجزء الثاني: ص 201. 3. التوحيد للماتريدي: ص 85.
________________________________________
(27)
للسمتين الأخيرتين.
2ـ إنّ منهج الماتريدي أبعد من التّشبيه والتّجسيم من الأشعري، وأقرب إلى التّنزيه.
3ـ إنّه وإن كان يحمل حملة عنيفة على المعتزلة، ولكنّه إلى منهجهم أقرب من الإمام الأشعري.
وتظهر حقيقة هذا الأمر إذا عرض مذهبه في مختلف المسائل، ولمعرفة جملة من مواضع الاختلاف ودراسة نقاط القوّة والضّعف، نذكر موارد عشرة ونترك الباقي روماً للإختصار.

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية