في تقدّم الاستطاعة على الفعل

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 365 ـ 366
________________________________________
(365)
المسألة الثالثة:
في تقدّم الاستطاعة على الفعل
اختلفت المعتزلة والأشاعرة في تقدّم القدرة على المقدور، فالطّائفة الاُولى على لزوم تقدُّمها عليه والثانية على لزوم المقارنة بينهما.
وكان الأولى البحث عن هذه المسألة فى باب القدرة. غير أنّ القاضي طرحه في باب العدل و قال: «ووجه اتّصاله به أنّه يلزم على القول بمقارنتها للمقدور، تكليف ما لا يطاق و ذلك قبيح، ومن العدل أن لا يفعل القبيح».
ثمّ استدلّ على مذهبه بوجهين:
الأوّل:
لو كانت القدرة مقارنة لمقدورها لوجب أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفاً بما لا يطاق، إذ لو أطاقه لوقع منه، فلمّا لم يقع دلّ على أنّه كان غير قادر عليه. وتكليف ما لا يطاق قبيح.
الثّاني: إنّ القدرة صالحة للضدّين، فلو كانت مقارنة لهما لوجب بوجودها وجود الضّدّين، فيجب في الكافر وقد كلّف بالإيمان، أن يكون كافراً مؤمناً دفعة واحدة، وذلك محال(1).
________________________________________
1. شرح الاُصول الخمسة: ص 396.
________________________________________
(366)
يلاحظ على الاستدلال الأوّل: أنّه مبنيّ على تفسير القدرة بالعلّة التامّة الّتي يكون الفعل معها ضروريّ الوجود فيصحّ كلّ ما جاء فيه. وذلك لأنّ التّكليف مشروط بالقدرة، والقدرة المفسّرة بالعلّة التامّة لا تنفكّ عن المقدور. فيستكشف عند عدم اعتناقه له بعد التّكليف، فقدان القدرة والطّاقة، إذ لو كانت لآمنت، لاستحالة انفكاك العلّة التامّة عن معلولها. فيلزم تكليف ما لا يطاق وهو قبيح.
هذا، ولكنّ المستدلّ غفل عن أنّ المراد من القدرة هو الاستعداد للفعل بحيث لو أراد وقع، ومثل هذا لا يستلزم وجود المقدور، ولا يستكشف من عدمه عدمه، لأنّ الاستعداد للفعل ليس علّة تامّة للمقدور.
فللأشعري أن يلتزم باقتران القدرة للفعل في تكليف أبي جهل، ولا يترتّب عليه أيّ تال فاسد عند امتناعه.
ويلاحظ على الثاني: أنّه فسِّرت القدرة فيه على خلاف ما فسّرت به في الدّليل الأوّل. ومبنى استدلاله في هذا الدّليل هو تفسير القدرة بالعلّة الناقصة والاستعداد، لوضوح أنّ القدرة بهذا المعنى صالحة للضدّين، لا القدرة بمعنى العلّة التامّة، فلو قلنا باقترانها بالمقدور يصحّ أن نقول: إنّ القدرة صالحة للضدّين ولكن لا يلزم منه أن يكون مؤمناً و كافراً.
وبالجملة: كونها صالحة للضدّين مبنيّ على كونها علّة ناقصة، ولزوم كون الإنسان مؤمناً وكافراً معاً، مبنيّ على كونها علّة تامّة. فالاستدلال الواحد مبنيّ على مبنيين مختلفين.
والحقّ إنّ المسألة غير منقّحة في كلام الطّائفتين، إذ لم ينقّح موضوع البحث، ولا المراد من القدرة. فالحقّ هو التّفصيل بين القدرة بمعنى الاقتضاء فهي مقدّمة على الفعل، والعلّة التامّة فمقارنة له(1).
________________________________________
1. لاحظ الجزء الثاني من كتابنا هذا: ص 172.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية